ثمن كذبة ! حكاية خيالية

مشاهدات



د . نزار محمود


كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان قد عاش قوم في واحدة من بقاع ارض الله الواسعة . وكان أبناء ذلك القوم يمتازون بناصيات تتسع تارة وتضيق تارة أخرى وبأنوف تقصر وتطول وبأفواه تقبل تارة وتعض تارة أخرى ! جميعهم كرماء يدعونك الى الغداء والعشاء وجميعهم يسرقون محفظتك عند المساء !

 

عند هؤلاء القوم لا تهدأ السيوف الصدئة ولا تنزل عن النار دلال القهوة . في خيامهم تحس بدفء وفي عيونهم تقرأ ألف حكاية وحكاية. ينظرون إليك بلطف مبالغ ويحدثونك بكلمات مخيفة ! على جوانب طرق قريتهم تقوم كوم من الزبالة وفي بيوتهم تشهد ترتيباً ونظافة . عندما سمعت بحكاية هذه القرية امتلأت شوقاً لزيارتها وقومها . أعددت ماكنة الزمان وجهزت حقيبة السفر وانطلقت فجر يوم سبت . كنت قد بحثت في ما أحتاجه من زمن للوصول الى تلك القرية النائية في التاريخ  سبع ايام بلياليها قضيتها في رحلتي لتحط ماكنتي عند اسوار القرية وظلام ما يزال يخيم ترجلت من ماكنتي ورحت أجول بنظري والخوف يتملكني تساءلت : ماذا سأقول لمن سيقابلني من أبناء القرية وبأي لغة ؟ ماذا لو لم يسمحوا لي بدخول القرية وأمروني على مغادرة اسوارها على الفور؟ أم هل تراهم سيكونون لطفاء مع رجل غريب أتى من زمان آخر، ويستضيفوني ؟

 

تساؤلات لم تجد لها في نفسي من إجابات قاطعة !

اسوار القرية ما زالت أبوابها مغلقة ورؤوس لحراس تدلت نائمة لم يبق لي إلا أن أنتظر شروق الشمس وصحوة الحراس وفتح أبواب سور القرية وانتظار ما سيحل بي ! تمضي ساعة وينفلق الفجر وتبدأ الشمس ترتفع رويداً رويداً ولا تمضي سوى دقائق لأسمع أصوات فتح مزالج أبواب سور المدينة ترتفع دقات قلبي وتطول رقبتي محاولاً رؤية كل ما يدور حولي واسمع صرخة أحد الحراس لم افهم منها سوى أنني يجب أن أقف محلي ! ثلاثة حراس يتقدمون مني وهم يحملون هراوات برؤوس مدببة. ينظرون الي باستغراب ويروحوا يتلمسوا ماكنتي بحذر شديد أشار إلي أحدهم بأن أمضي أمامهم في اتجاه معين . دخلنا القرية من أحد أبوابها ووقف كثيرون من أهلها ينظرون إلي باستغراب شديد وتعجب . لم تكن أشكالهم مثل أشكالنا تماماً. تذكرت ورأيت قسمات وجوههم وأنوفهم وفتحات افواههم ورجوت الله أنهم ليسوا من أكلة لحم البشر ! في قاعة كبيرة يجلس كبير لهم يحيطه نفر من أتباعه فيبادرني بسؤال فهمت معناه من حركات يديه وتعبيرات وجهه أجبته بلغتي : أنا فلان من أبناء الأرض لم أكن أدري أن أحد النفر كان مترجماً استأذن كبير الجلوس وحدثه بلغة لم أفهم سوى أنه اخبره بما قلته هز كبير الجلوس برأسه وأشار بأن يقدموا لي بعض الطعام والشراب تنفست الصعداء وارتحت بعض الشيء لكن الجلسة لم تنته على ما يبدو عادوا للجلسة ثانية ليخبروني بأني تجاوزت حدود قريتهم وهم يطالبوني بكثير من المال كغرامة . حاولت أن أتشاطر لأتهرب من الغرامة قلت لهم : ليس لدي مال ! أجابوا على الفور: حسناً اذن لنأخذ ماكنتك التي أتيت بها وهنا أحسست بأنني ارتكبت خطأًً كبيراً ! فما عساني أن أفعل وكيف يمكنني أن أعود دون ماكنة الزمان ؟ وهكذا بقيت أعيش في تلك القرية منذ عشرة سنين أو يزيد بسبب كذبتي وأجدني اليوم قد طال أنفي وتوسع فمي بعد ان استمعت الى حكايات الكذب لسكان القرية التي أودت بهم الى خارج الزمان ! ترى ماذا كان سيحل بكثير من أهل هذا الزمان من ساسة ورجال صحافة وتجارة وحتى كثير من رجال دين ؟!


تعليقات

أحدث أقدم