مقامة المهزلة :

مشاهدات

صباح الزهيري


تسربت في مواقع التواصل الأجتماعي ألأخبار الآتية : عقد مجلس الحرب الأسرائيلي جلسة سرية لمناقشة قصف العراق , حيث قرر نتنياهو ضرب العراق بعد مشاورات ومداولات مع قادته , فامرهم بضرب المنظومات الصاروخية ومنصات بطاريات الدفاع الجوي في العراق , فقالوا له لاتوجد عندهم ,فقال وماذا يفعلون عند مرورنا ؟ اجابوه بس يفشرون علينا , طيب اقصفوا قواتهم الجوية ,سيدي لايوجد لديهم طيران حربي , زين اقصفوا معامل التصنيع العسكري ومراكز بحوثهم , سيدي ماعدهم , زين اضربوا الاذاعة والتلفزيون العراقي , سيدي محد يباوعها يباوعون MBC العراق والشرقية , زين اقصفوا مصانعهم ومعاملهم , سيدي عدهم بس معمل جبس الباز يشتغل , زين محطات الطاقة , سيدي لازم نقصف دول الجوار لان كهربائهم مناك , زين اقصفوا البرلمان , سيدي الكل مسافرة وباقي شكم واحد لمن رئيس البرلمان يخطب هم يجرّون صلوات , زين لعد شنقصف بيش مشتهرين , سيدي بالمطاعم واقترح عليك سيدي نقصف مطعم بيستون صمد الجادرية , وأذا مگعدوا للمفاوضات كما نريد نقصف مطعم حجي حسين .

يقول روجر فريتس : المعرفة أمر جيد , و الارادة شئ أفضل , اما التصرف فهو أفضل الثلاثه , و حين يصبح الواقع أضحوكة فتلك هي مهزلة العراق , لقد بلغ السيل الزبى , وتجاوزت المهزلة كل الحدود في عراقنا الحبيب , ما تسرب مؤخرًا من أخبار حول جلسة سرية لمجلس الحرب الإسرائيلي , وإن كانت صيغتها الفكاهية تحمل في طياتها مرارة الواقع , إلا أنها تعكس بوضوح الحالة المتردية التي وصل إليها العراق , حتى أصبح مادة للسخرية والتهكم , لا من الأعداء فحسب , بل من أبنائه قبل ذلك , فتلك المحادثة المزعومة , التي تبدأ بنيّة قصف العراق وتنتهي بالبحث عن مطعم بيستون صمد , أو مطعم حجي حسين للقصف , هي صورة كاريكاتيرية لما آلت إليه البلاد , عندما يُسأل القادة الإسرائيليون عن المنظومات الصاروخية والدفاع الجوي في العراق, يكون الجواب الصادم :

لا توجد عندهم , وعند الاستفسار عن الطيران الحربي , يتكرر الجواب نفسه :

سيدي لا يوجد لديهم طيران حربي .

ماذا نفعل ونحن الجيل الذي تربى على مباديء لا يمكن أن تموت داخله , وهذه مهزلة العراق , التي اصبحت مصطلحا يستخدم غالباً لوصف الوضع السياسي والاجتماعي المتردي , وغالباً ما يشير إلى الفساد المستشري , وغياب الاستقرار , وصعوبة تحقيق التنمية والازدهار , ومنذ أن أصبح مصطلح إلانسداد السياسي مصطلحا مضافا على بدع مرحلة ماسمي بتحرير العراق مثل التعددية , المكونات , التوافق و اخيرا ولا يكون آخره الانسداد السياسي من خلال تصرفات مصدر القرار الامريكي شعر كل متابع نزيه ان هذا الانسداد مطلب ضمن استراتجية مخططة لاحتلال العراق منذ 9 نيسان 2003 , والهدف والدور الرئيسي لكل هذه المصطلحات هو تمديد العمل بنهج الفساد لتتعمق مهزلة البلد الذي كان يوما ما دولة وله حضور في المنطقة والعالم وكان يجري الحديث عن تأريخة وسيادته ووحدة شعبه …ألخ .

الأمر لا يتوقف عند غياب القدرات العسكرية فحسب , بل يمتد ليشمل كل مفاصل الدولة , عندما يُطرح قصف معامل التصنيع العسكري ومراكز البحوث , يأتي الرد : سيدي ما عندهم , وحتى عندما تُقترح مهاجمة الإذاعة والتلفزيون العراقي , يكون الجواب الأكثر إيلامًا : سيدي محد يباوعها يباوعون MBC العراق والشرقية , هذه الفقرة تحديدًا تحمل في طياتها نقدًا لاذعًا لغياب الإعلام الوطني المؤثر , وتأثير الفضائيات الأجنبية على الوعي الجمعي , والأسوأ من ذلك هو الحديث عن الاقتصاد والبنية التحتية , عندما يُسأل عن المصانع والمعامل , يُذكر معمل جبس الباز الوحيد الذي يعمل , وعندما تُطرح فكرة قصف محطات الطاقة , تكون الإجابة الساخرة بأن الكهرباء تأتي من دول الجوار , هذه الصورة المخزية تكشف عن حجم الدمار الذي لحق بالصناعة والطاقة في بلد كان يومًا منارة للمنطقة . أما بيت القصيد , فهو الحديث عن البرلمان , عندما يُقترح قصفه , يكون الجواب بأن الكل مسافرة وباقي شكم واحد لمن رئيس البرلمان يخطب همه يجرون صلوات , هذه العبارة تلخص حالة الاستهتار بالمسؤولية , والغياب التام لأداء المؤسسات التشريعية التي من المفترض أن تكون صوت الشعب ودرعه الحصين , ما الذي يتبقى إذن ؟ إذا لم يكن هناك جيش قوي , ولا صناعة , ولا إعلام وطني , ولا حتى برلمان فاعل , فماذا يميز العراق اليوم؟ الإجابة تأتي صادمة : بالمطاعم , هذه النكتة السوداء تجعلنا نتساءل , هل تحول العراق العظيم بتأريخه وحضارته إلى مجرد مجموعة من المطاعم ؟ وهل أصبح الخوف من قصف بيستون صمد أو حجي حسين هو أقصى ما يمكن أن يقلق السياسيين أو عامة الشعب ؟ إن هذه الأخبار المتسربة ليست مجرد نكتة , بل هي جرس إنذار يدق في أذهان كل غيور على هذا الوطن , إنها دعوة للتوقف مليًا أمام هذا الواقع المرير , والعمل الجاد على استعادة هيبة العراق , وإعادة بناء مؤسساته , وتفعيل قدراته , لكي لا يبقى وطننا مادة للسخرية , ولكي لا يكون مصير أبنائه معلقًا بمطعم هنا أو مطعم هناك , فهل نفيق من سباتنا قبل فوات الأوان ؟

تعليقات

أحدث أقدم