سوريا ما بعد الأسد.. أربعة تحديات عاجلة

مشاهدات

جيفري كمب


لعل سقوط نظام بشار الأسد في سوريا هو الحدث الاستراتيجي الأكثر أهمية الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط منذ الثورة الإيرانية التي اندلعت عام 1979، غير أن الثورات نادراً ما تنتهي بانتقال سلس إلى شكل جديد من أشكال الحكم . وإذا كانت الإطاحة السريعة بالأسد لم تتسبب، حتى الآن، في سقوط سوى عدد قليل من الضحايا، فإن التاريخ يقدّم صورةً مختلطة لما يمكن أن يحدث بعد ذلك . فالثورة الإيرانية، على سبيل المثال، أعقبتها صراعاتٌ داخلية عنيفة ، وفي غضون عام، وجدت الجمهورية الإسلامية الجديدة نفسَها في حرب شاملة مع العراق . كما أن الثورة التي شهدتها أوكرانيا في أوائل عام 2014 وأطاحت برئيسها الموالي لروسيا ، فيكتور يانوكوفيتش، سرعان ما أفضت إلى تحرك روسي نحو شرق أوكرانيا، وضمها شبهَ جزيرة القرم . والواقع أن التحدي الأول الذي يواجه القادة الجدد في دمشق يتمثّل في إقناع القوى الخارجية الرئيسة بأن المخزون الضخم من الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة الكيماوية، والصواريخ الباليستية التي خلّفتها قوات الأسد وراءها، آمنة ولن تقع في أيدي جماعات متطرفة، مثل تنظيم «داعش» الإرهابي، أو أي جماعة أخرى قد تكون لها أجندات مختلفة عن أجندات القيادة الحالية. وقد شرعت إسرائيل، والولايات المتحدة في استخدام القوة العسكرية لتدمير العديد من مخزونات الأسلحة التابعة للأسد .

والتحدي الثاني، الذي لا يقل أهمية، هو إقناع الأقليات الرئيسة، بما في ذلك الطائفتان العلوية والمسيحية اللتان دعمتا الأسد، بأنهما لن تتعرضا للأذى . ولتحقيق ذلك، سيكون حرياً بالمسؤولين الجدد في دمشق أن يتعلموا من دروس العراق حينما أطاحت الولايات المتحدة بصدام حسين في عام 2003 . إذ عمد المحتلون الأميركيون بغباء إلى حل الجيش العراقي، وحظر حزب البعث الذي كان ينتمي إليه العديد من موظفي الخدمة المدنية الرئيسيين . والحال أنه من دون بيروقراطية فعالة، لا يمكن لأي مجتمع أن يستمر طويلاً . كما أن الدرس المستفاد من احتلال الحلفاء لألمانيا واليابان عام 1945 كان أهمية الحفاظ على الوظائف اليومية للمجتمعات الكبيرة والمعقدة، وهذا لا يتأتى إلا من خلال الإبقاء على خدمات الموظفين الألمان واليابانيين . والتحدي الثالث، ولا سيما بالنظر إلى المعاملة المروعة التي عاملت بها «طالبان» المرأة بعد العودة المظفّرة للحركة إلى السلطة، في عام 2021، هو منع الأيديولوجيا المتطرفة لتنظيمات الإسلام الراديكالي من ممارسة الفصل على أساس النوع ضد المرأة . ولو حدث هذا الأمر في سوريا، فإن النظام الجديد سيبدّد أي أمل في التعاون والاعتراف الدولي والمزايا التي يمكن أن تترتب على ذلك في حال عامل النساء والأقليات بمساواة واحترام . أما التحدي الرابع، فهو أن تتوصل القوى الخارجية إلى نوع من التسويات والتوافقات بشأن ما تتوقعه من النظام الجديد. ومن الأمور الأساسية لتحقيق هذا الهدف التوصل إلى تفاهم بين تركيا ودول الخليج العربي والولايات المتحدة وإسرائيل بشأن كيفية التعامل مع إيران وروسيا . فهذان البلدان كلاهما رأى نفوذه ينهار في سوريا، وهما حساسان تجاه ضغوط القوى الأخرى عليهما للتخلي عن طموحاتهما الاستراتيجية في المنطقة. وفي هذا الصدد، سيتعين على إيران أن تدرس ما إن كانت خسارتها لسوريا، ولوصولها المباشر إلى «حزب الله» في لبنان سيحفّزها على تسريع برنامجها للأسلحة النووية، أو ربما تكون هذه لحظة مناسبة لها للسعي إلى تحقيق تقاربٍ مع إدارة ترامب القادمة من أجل تحسين العلاقات عن طريق الدبلوماسية، وبالتالي السعي للحصول على تخفيف لبعض العقوبات المفروضة عليها . وهذا سيقتضي من إيران تجميد برنامجها النووي، والسماح باستئناف عمليات التفتيش الشفافة من قبل الأمم المتحدة . المشكلة الروسية قد تكون الأكثر صعوبة. ذلك أنه من دون الوصول إلى سوريا، فإن طموحات روسيا في أفريقيا ستتعطل، ووصولها الحيوي إلى موانئ المياه الدافئة والمطارات على الساحل السوري المطل على البحر الأبيض المتوسط قد ينتهي . والحال أن مثل هذا الحرمان سيجعل موسكو أكثر تصميماً على الضغط من أجل تحقيق النصر في أوكرانيا، غير أنها قد تجد نفسَها في مواجهة أوروبا أكثر اتحاداً وإدارة ترامب الجديدة التي قد تكون أقل «موالاة لروسيا» مما يعتقده بعضهم .

تعليقات

أحدث أقدم