احداث 11 سبتمبر ونقطة الانقلاب في التاريخ الاميركي

مشاهدات



محمود خالد المسافر

 

تم تفجير برجي التجارة  في نيويورك قبل  ثلاثة  وعشرين عاما وبطريقة دراماتيكية ما زال الكثير من حقائقها مخفيا . ولكن الواضح منها يشير الى ان ما حصل كان مفبركا . وقد حضرت شخصيا في منتصف عام 2019  ندوة في احدى قاعات الجامعة الاسلامية العالمية في ماليزيا والتي عُقدت برعاية  رئيس الوزراء الماليزي انذاك الدكتور محاضير محمد (99 عاما)، كشف فيها الباحثون والمختصون والمحققون المشاركون في الندوة ومن كل أنحاء العالم عن الكثير من الأدلة الأمنية والهندسية والاستخبارية والحسية التي تثبت تورط الادارة الاميركية او احد اجهزتها بموضوع  تفجير برجي التجارة العالمي في نيويورك . وهو يُعد ثاني اكبر حدث اصاب الولايات المتحدة الاميركية وهز امنها القومي بعد حدث قصف الطائرات اليابانية لميناء بيرل هاربر في السابع من كانون الاول/ ديسمبر من عام 1941، اي بعد اكثر من عامين من بدء الحرب العالمية الثانية . والذي ادى الى تبدد آمال الامريكان بعدم دخول بلادهم للحرب العالمية المدمرة . ولم يكن دعم حكومة الولايات المتحدة الامريكية للحلفاء في الحرب سريا ، ولذلك استهدفتها الطائرات اليابانية  بقرار من الامبراطور الياباني . والذي ادى وبسرعة بالغة الى دخول الولايات المتحدة الاميركية الى الحرب المباشرة ضد المانيا وحلفائها . لقد كان الهدف المعلن لدخول الولايات المتحدة الحرب هو الدفاع عن الديمقراطية في اوربا، ولكن الهدف تغير بعد مدة الى حماية اليهود في المانيا واوربا بعد ان قامت حكومة الولايات المتحدة في كانون الثاني/ يناير من عام 1944 بإنشاء مجلس لاجئي الحرب الذي كُلف بمحاولة إنقاذ وتقديم الاغاثة  لليهود والاقليات الاخرى التي استهدفها "النازيون" خلال العام الاخير من الحرب . ومثلما دفع القصف الياباني الولايات المتحدة لدخول الحرب العالمية الثانية وكان سببا لإنهاء الحرب لصالح الحلفاء وهزيمة المحور (المانيا، ايطاليا واليابان)، وظهور نظام دولي جديد ليس من اركانه كل من المانيا وايطاليا واليابان، بينما اصبحت كل من المملكة المتحدة وفرنسا تلعب ادوارا ثانوية في النظام الدولي الجديد الذي تحول من متعدد القطبية الى نظام ثنائي القطبية يتقاسمه المنتصران الحقيقيان في الحرب وهما الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي بعد ان تقاسما السيطرة على برلين عاصمة الرايخ الألماني. وكذلك فعل الهجوم على برجي التجارة بنيويورك، فقد ادى ذلك الحدث الى استفزاز القوى الدولية الرأسمالية والصديقة لها لتحقيق مجموعة من الاهداف، كان من اهمها اعادة رسم المحيط الحيوي للولايات المتحدة الاميريكية، والسيطرة على بحيرات النفط في العراق والخليج العربي، وحماية "اسرائيل" من اي خطر محتمل، وعرقلة صعود القوى المحتملة وهي المانيا والصين وروسيا والتي يمكن ان تعيد تشكيل عالم ثنائي القطبية الذي غادره العالم عام 1989 بسقوط جدار برلين وموت الاتحاد السوفيتي وتفتت المعسكر الاشتراكي وتحول اغلب اقتصاداته الى المنهج الرأسمالي .

 

لقد حصل الهجوم في الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر 2001 وبسرعة امسكت الاستخبارات الامريكية بالخيوط ، وبسرعة اعترف المتهمون، وفي اقل من شهر غزت الولايات المتحدة افغانستان، وبسرعة اعلنت الاجهزة الاستخبارية الاميركية عن علاقة العراق بالإرهاب وخطورة اسلحة الدمار الشامل العراقية . وبعد اقل من سنة ونصف انطلق جورج بوش الإبن وحكومته الجمهورية وبدون تخويل دولي لإحتلال العراق وتدمير بناه التحتية واغتيال علمائه وكفاءاته وافتعال حرب اهلية . ولكن افشلت المقاومة العراقية محاولة بوش الابن للإستقرار في العراق والانتقال منه إلى الدول الاخرى، وخسر الجيش الاميركي اكثر من 4000 جندي اميركي هذا غير الآلاف من المرتزقة الذين لا يحملون الجنسية الاميركية . كانت خسائر الولايات المتحدة الاميركية في العراق مؤلمة جدا لها وذكرتها وكل اصحاب الرأي والسياسة في اميركا بحربهم في فيتنام مع فارق كبير وهو عدم وجود اي داعم للمقاومة العراقية من دول الجوار على عكس المقاومة الفيتنامية التي كانت مدعومة من قبل الصين والاتحاد السوفيتي وبعض دول المحيط الجغرافي مثل كمبوديا وكل الدول التي كانت تقودها الاحزاب الشيوعية ، والكثير من الدول الرافضة لهيمنة المعسكر الرأسمالي . بل إن بعض دول الجوار حاولت جاهدة لإفساد المقاومة العراقية بتصدير الإرهاب وخلط الاوراق . لم يجرؤ بوش الابن على الاعتراف بالهزيمة والانسحاب من العراق لأسباب كثيرة من بينها بلا شك اسباب نفسية . ومن وجهة نظري ان اهم تلك الاسباب هي ان الانسحاب ليس دور الجمهوريين بل هو في العادة دور الديمقراطيين. ولذلك لم يكن مستغربا ان يطيح المرشح الديمقراطي باراك اوباما (63 عاما) بمنافسه السيناتور الجمهوري جون مكين (1936-2018)، ذلك العسكري الاميركي الذي لطالما رسم الاعلام له هالة المحارب القديم من حرب فيتنام . لقد دخل السيناتور الديمقراطي باراك اوباما الحملة الانتخابية وامامه اهداف رئيسية اهمها الانسحاب من العراق واعادة التموضع في افغانستان ورفع الضريبة على الاعمال وتعديل نظام الضمان الصحي . وعمد اوباما حال فوزه بالرئاسة الى اعلان جدولة الانسحاب من العراق بعد توقيع الإتفاقية الأمنية التي نصت على انسحاب القوات الامريكية المقاتلة من المدن والقصبات بتاريخ لا يتعدى حزيران/ يونيو 2009. على ان تنسحب جميع القوات الامريكية بتاريخ لا يتعدى 31 كانون الاول/ ديسمبر 2011. 

 

انسحبت القوات الاميركية من العراق وتحققت تفاصيل مفهوم "الفوضى الخلاقة" التي روجت لها استاذة السياسة ومستشارة الامن القومي الاميركي ووزيرة الخارجية غوانداليزا رايس (69 عاما). علما ان اول من تحدث بهذه الفكرة هو المستشرق الانكليزي اليهودي برنارد لويس (1916-2018) المعادي للعرب والمسلمين . دخل العراق في مرحلة الفوضى التي حاولت فيها الولايات المتحدة أن تمسك بخيوط التحكم بها. فالعملية السياسية وان كانت تبدو اليوم وكأنها جزء من فعاليات الولي الفقيه الخارجية الا ان الدوائر السرية في الولايات المتحدة لا زالت تمسك ببعض خيوطها، لا سيما ان الدستور (وكل قنابله الموقوتة)، الذي كتبه الاميركي اليهودي نوح فيلدمان (54 عاما) استاذ القانون في جامعة هارفرد، لا زال هو الحاكم لفعاليات العملية السياسية في العراق . لقد حققت الولايات المتحدة اهدافها من خلال استغلال احداث تفجير برجي التجارة كما حققت اهدافها في الاشتراك بالحرب العالمية الثانية، لكن اليوم ليس كالامس . واذا كان الشعب الامريكي قد اتفق على دعم حكومته في الحرب العالمية الثانية، الا انه لم يفعل  في حربي افغانستان والعراق . واذا كان الاقتصاد الاميركي الرشيق والصاعد اثناء الحرب العالمية الثانية قد مكّن الولايات المتحدة من اعادة رسم خارطة العلاقات الدولية انذاك ولا سيما بعد تأسيس منظمتي بريتن وودز وهما صندوق النقد الدولي IMF  والبنك الدولي WB  فضلا عن الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة GATT، الا ان الامر ليس كذلك الان في وضع الاقتصاد الامريكي الذي شاخ واثقلت كاهله الامراض الاقتصادية المزمنة والمتلازمة مثل الركود التضخمي، والفساد الاداري والمالي . ولم تستطع سياسات الولايات المتحدة من تاخير ظهور الاقتصادات الرشيقة مثل الصين صاحبة مشروع الحزام والطريق الذي يعد كابوسا مرعبا للرأسمالية العالمية . لم يعد ممكنا بعد مسرحية برجي التجارة تمرير اية سيناريوهات جديدة لتثبيت الولايات المتحدة الاميركية قائدا اوحدا وقطبا قائدا ومنفردا لا سيما مع ما تشهده السياسة الداخلية في الولايات المتحدة من تغيرات دراماتيكية خطيرة اوصلت فاقدي الاهلية الصحية والقانونية من امثال جو بايدن ودونالد ترمب الى المكتب البيضاوي في البيت الابيض .

تعليقات

أحدث أقدم