مقامة الهوامش : تثنية على مقال د. محمود الجاف ( الشعب ألأطرش بالزفة ) .

مشاهدات

 

صباح الزهيري

 

اصبت وأجدت دكتورنا العزيز , ذكرني مقالك بحديث مرير للمرحوم عصمت كتاني ألأمين العام المساعد للأمم المتحدة , ووكيل وزير الخارجية الاسبق , بعد 1991 قال : ((فجأة أصبحنا نحن العراقيين مكروهين , وعندما نحضر المناسبات ينظرون الينا كالأيتام على موائد اللئام )) , هكذا هي الحال مع ذيول بريمير , الخونة الذين إزدهرت أحوالهم يوم ضاعت أوطانهم , ولا نملك ألا ان نقول لشعبنا : لا تخجل من المطالبة بحقوقك , لأن هناك من لا يخجل من سلبها منك .

 

نقرأ في تاريخ الطبري : ((قال الربيع بن زياد الحارثي يعلق على مقتل حجر بن عدي : لا تزال العرب تُقتل صبرا بعده , ولو نفرت عند قتله لم يُقتل رجل منهم صبرا , ولكنها اقرّت فذلت)) , يعيش العقل العراقي جهلا مخيفا , الملفقات صارت حقائق , وما دسه الغلاة, صار هو الدين , هتك ممنهج من على المنابر , ومن أفواه الطائفيين , وأدعياء الثقافة, فأصبح مذاق الفكر كثديٌ مَرمَروه بالحنظلِ إستعداداً لفِطام الرضيع , وشعب ينتظر ان يحرره الموت من مذلة الحياة . قال ابن المقفع : (( شر الملوك الذي يخافه الجرّيء , وشر البلاد , بلاد ليس فيها أمن ولا خصب )) , يُبدّل هذا الهواء شهيقي بفحم فأغفوا على حلم الهواء النقي , أرفو رئات الناس بالكلمات , وصوت الصراخ موجع , والتاجر المزود بالنياشين افتتح الليلة دكانا لبيع الدم  , يسحب من ابهرهم ما امكنه , يحاسبهم بالقليل عن الكثير خلف ستار لا يرى خلفه احد دمه , ثم يمضي الفقير الى الشارع اصفر الوجه , ألا سحقا لأمّة تنفعل ولا تفعل , كما يقول الصديق هاشم بلطي , ويبقى الفكر يَسبَحُ في ملكوت المعاني , وليس أمام المريد إلا التَدبّر , وليس أمام العارف إلا التأمل .

 

هذا هو عصر العولمة , بلادنا ساومت في السوق فلم تربح سوى خسارتها , غازلت قوة الأشياء , فامتلأت صدور الحاكمين ضوءا ولعقنا سيفها كي نخفي عارها فذُبحنا مرتين , ان المدن التي احببنا ملئت غرباناً , وبوماً , وان الموتى افضل من احيائها , والاعلى اسفل تحت القصف, والسيف أعيد اعتباره فاصطف خلف الرقاب , خارجا من متحفها , لقد صنفوا بلادنا بين الوحوش , زيفوها حتى تكبر فيها عقوبتنا , حتى تصفر فيها كهولتنا كي تغدوا بلادا قابلة للنسيان . كان العراق دولة ذات هيبة وحضور و اخلاق وقيم عالية, ونظام حافظ على هوية المجتمع الاخلاقية وارسى قيمه مع كل ما قيل و يقال عنه صدقاً كان او كذباً , تتصاخب كل هذه الافكار في رأسي وانا ارى قيمنا تتهاوى ومجتمعنا يتصدّع واخلاقنا تنحدر في كل مفاصل الحياة , ترى اين اختفت هويتنا العراقية الاصيلة, نخوتنا, غيرتنا, عزّتنا, كرامتنا, تقاليدنا, اعرافنا , ارثنا الاجتماعي المكلل بالكبرياء والشموخ ؟ اين انتماؤنا الوطني الذي رفعنا بيارقه بسواري الدم والفداء والتضحية ؟ ولماذا سمحنا لعهر السياسة ان يتفشى في صميم حياتنا وقيمنا يهينها ويلوّث كل شئ فيها ؟ الم نكن الوطن الذي مدّ على الافق جناحا وارتدى مجد الحضارات وشاحا  ؟ الم تمر بنا النوب العاديات وظل العظيم العظيم العراق؟  الم نحلف بالله والعباس توگع زلم فوگ الزلم لمن يشيب الراس  بس الگاع ما تنداس ؟ ترى لماذا تخلّينا عن كل هذا المجد والفخر باننا عراقيون حد قطع النفس وصمتنا على اهانة الوطن العظيم الذي اردناه عالياً مكرّماً معظّماً, لان مغنيةً فاشلةً ارادته (ناعماً منعماً ) مثل (جلدها) الازرق المنتوف في صالونات بيروت وباريس والمغرب .

تعليقات

أحدث أقدم