ربما حدث هذا في منام ثقيل

مشاهدات


 

علي السوداني 


عدتُ إلى بغداد العزيزة البارحة . كان الوقت جامداً على رازونة الغروب ، وكنت على تعبٍ من أثر الطريق . شغلت عداد الذاكرة بعلاوي الحلة ولوحت بيميني العالية صوب بوابة المتحف الكبير . انعطفت قليلاً ناشداً بناية التمور فلم أجدها . ثمة مقهى جزيرة العرب ولم أعد أفرق بينها وبين كهوة ناصر حكيم . سطر مدهش من دكاكين صباح القيمر المصفر دسماً وعافية ودبساً بجوار الماعون . على الجانب الآخر ما زالت القيصريات تصدر ضجيج ماكنات الخياطة . كانوا يرتقون ويقصرون ويضيقون ملابس الجند ، كي يذهبوا إلى شقوق الموت البعيدة متأنقين وممتنين مثل دعاء مستتر بجيب شهيد . لم أعثر على شيتات سينما بغداد ، ولا على خط سيارات الكوستر والريم الميممة ركابها صوب الكاظمية وما قبلها من العطيفيتين الأولى والثانية حتى تدويرة عدن . خلف زوامير الشاحنات وعياط السوقة ، ثمة دكان مرفف بأصناف الخمور ، وقد انزرعت ببابه العريض عربانة لبلبي ولبلوب ونارنج وابتسامة عافية . هبت ريح قوية ودبقة فوجدتني بمفتتح جسر الشهداء البائن من خشم الكرخ . لا تمثال لعدنان خير الله ، لكن ميناء الشواكة ظل ينصت لخلاعيات الملا عبود الكرخي ، وقفشات الصيادين وأبلام الرحلة الرائقة إلى ذاك الصوب . قبل أربعين سنة كنت أعلم بعدد القناديل المنصوبة على ظهر الجسر ، ومكان الثقب الذي صنعه صاروخ أمريكي وغد .

في منظر مباغت ورحيم ، لقيت جان دمو وكزار حنتوش وحسن النواب وعقيل علي ونصيف الناصري وجمال حافظ واعي وحسين حسن وصباح العزاوي وحامد الموسوي . كان كل واحد منهم يحمل رغيف خبز مثلم من جهاته الأربع .

سألتهم عن نوارس الجسر قالوا إنهم من أحباب السمك . عندما عانقني جان ورشقني بسطر من كلامه المعسل ، فززتُ وكنت على ظمأ عظيم .

تعليقات

أحدث أقدم