هل يكذب العدو في بلاغاته العسكرية ...؟

مشاهدات

ضرغام الدباغ

 

نسمع إلى بيانات العدو عن العمليات الحربية الي يقوم بها في جبهاتنا العربية، وحالياً في جبهتنا المشتعلة (غزة)، والعدو يذيع نتائج بسيطة جداً قياسا إلى سعة المعارك وعنفها ،  لنصل إلى قناعة أن العدو يخفف من حجم خسائره ، بدرجة تفوق المعقول والمقبول ... ولا سيما إذا ما قاطعناها مع ما يصلنا من أنباء من وكالات أوربية ، وحتى من وكالات أنباء وصحافة العدو نفسه مما يفلت عندهم من مقص الرقيب العسكري . ثم لنقل موضوعياً ، أن إخفاء حجم الخسائر بشكل دائمي أو مؤقت ، هو أمر مألوف تقريباً في الحروب ، والهدف معروف بالطبع ، ولكن هناك من يمارس الكذب بأنصاف وأصول ، وهناك من يكذب بسفاهة وشراسة . وشخصيا حدث أن أطلعنا بشكل مؤكد على كذب بيانات العدو في السبعينات، إذ أنكر العدو سقوط طائرة مقاتلة في اشتباك جوي مع القوة الجوية العربية السورية ، وتأخر السوريون في اعلان أن طياراً صهيونياً وقع في الأسر ، فكانت فضيحة حين صدر بيان حكومي مخالف للحقيقة . في حرب غزة ، ممارسة كثيفة للكذب . مع التأكيد بأنها من أشرس الحروب التي خاضها العدو الصهيوني في تاريخه ، ذلك أن أسطورة التفوق المدعومة بما ليس له حدود من كامل المعسكر الغربي قد تعرضت للضعف والتلاشي على مدى الحروب المتتالية : 48، 56، 67، 73، 82، ناهيك عن حروب غزة والضفة ، الحرب الحالية هي الرابعة، تلاشت فيها هيبة نظام وجيش يقاتل أطفال ونساء، ويواجه الحجارة بالدروع ... جيش يقوم بعمليات اغتيال ، وخطف ، ويقنص صحفيات ، هو جيش بلا شرف جندية ، ولا شجاعة فرسان، هو بحق جيش احتلال ، يقوده مجرمون مجازون بالقتل خارج قوانين الحروب والاتفاقات الدولية، يقتل مقاومين أحرار .

 

ولكن لماذا يضطر العدو بهذه الدرجة للكذب والغش ...؟

أولاً : في البدء، يهتم العدو بتقديم وقائع تخدم سياسته الإعلامية، في أن يظهر أن أي مقاومة لاحتلاله ستقمع في نهاية المطاف، ومن الضروري إبقاء "المواطنين" على درجة من الاستعداد والتقبل لكن يوحي باطمئنان مزيف، يضمن بالتالي حسن أدائهم .

ثانياً : يتوقع العدو أن تصاعد الشعور والوعي لدى الفلسطينيين والعرب أن المقاومة قد بلغت درجة فاعلة بحيث يصبح بوسع مقاومة شعبية/ كفاح مسلح أن تناضل في حرب مكشوفة، مع جيش بدرجة عالمية لا يلتزم بالقواعد الدولية، يقتل شعباً بمدنييه من النساء والأطفال العزل بحراسة أساطيل الناتو والأسلحة النووية .

ثالثاً : الالتفاف على حقيقة مادية / قانونية ، هي أن جيش العدو والكيان الصهيوني لا يدافع عن نفسه، بل يبيد خصومه وشعباً تحت الاحتلال، المقاومة الفلسطينية هي من تحاول وبالوسائل المتاحة، أن تدافع عن نفسها على أرضها، وهي حركة مجازة شرعاً وقانوناً .

 

في ظل هذه المعطيات، يصبح اللجوء للكذب تحصيل حاصل، وضرورة مادية تحكمها مفردات المؤامرة الدولية. وضرورة ماسة لإخفاء حجم الخسائر من أجل إبقاء المعركة بهذه الحدود، فلو أطلع الجمهور على التفاصيل، سيكتشف حقائق فضيعة تدور على أرض غزة وتخومها، وإعادة لتموضع المصطلحات السياسية والعسكرية. لذلك فهناك شبه سيطرة على الأنباء وحجم الحقيقة المتاحة . البشرية والحضارة الإنسانية تعيش مرحلة فريدة ، فبالرغم من التقدم في جميع المجالات، إلا أن هناك فرض لمنطق القوة الغاشمة وفجور منطق تمارسه بصراحة وبجلاء ، قوى دولية تتبجح بأنها تقود الحضارة والعدالة ، ولكنها تمارس عكس ما تزعم . لم يثبت تاريخياً أن شعبا تراجع أمام هذا المنطق ، منطق القوة المطلقة، قد تصاب مسيرة التحرر بضربات ، وقد تفرض عليها الظروف أن تتقدم هنا وتتراجع هناك، ولكنها تحرز تقدما في الإجمال ويكبر معسكرها مهما بلغ حجم التضليل .

تعليقات

أحدث أقدم