طعم الأشياء

مشاهدات



ضرغام الدباغ


منذ طفولتنا ونحن نتعلم في المدرسة ، أن الماء هو من الحالات السائلة للمادة ، والأهم في صفاته، أن لا لون له ولا طعم ولا رائحة . المياه هي محور الحياة على الأرض وتغطي نحو ثلاثة أرباع الأرض ، لكن نسبة صغيرة منها صالحة للاستهلاك البشري الذي وصل مستويات مرتفع ة، فالماء مهم بدرجة الضرورة القصوى للحياة ، للزراعة ، ولكن أيضاً للصناعة . وتغطي المياه 74% من مساحة الأرض ، ونحو ثلثي جسم الإنسان : 55% ــ 75%، لكن نحو 97% من حجم المياه على الكوكب الأرضي غير صالحة للشرب ، بينما أكثر من 2% من مياه العالم مخزنة في أنهار أو جبال جليدية وهي صالحة للشرب لكن يصعب استخراجها . فلا يبقى سوى أقل من 1% فقط من مياه العالم للشرب ، وتوجد هذه المياه في الأنهار والبحيرات وتحت الأرض وهي مهددة بالنضوب. ويستخدم سكان الأرض (حالياً) 10 مليارات طن من المياه العذبة يومياً . تستهلك الزراعة منها 75 إلى 90% من المياه العذبة ، وإنتاج طن واحد من القمح ، نحتاج إلى 1000 طن من المياه ..!  وينصح الأطباء دائماً بالإكثار من شرب الماء، (ليس أقل من 3 لتر يومياً) .

 

ولنفكر معاً ، كم قدح من الماء تتناول طيلة حياتك ....؟ من المؤكد مئات الألوف من الاقداح ، وربما بالملايين ..! ولكن قدحاً واحداً من الماء تناولته مرة،  راسخ في مخيلتي لا ينسى . ذلك حين كان السجناء في أبو غريب يحتفظ كل واحد منهم بعلبة من الفلين لحفظ الأطعمة وتبريدها بالثلج لمدة تتجاوز اليومين ، وأيضاً لحفظ كمية من الماء (ولو بسيطة) لشرب قدح من الماء البارد في صيف العراق اللاهب . وذات يوم أنقطع ورود الثلج علينا ، فكان أن تعرضت كافة المأكولات التي يأتي بها ذوي السجناء للتلف ، وايضاً ضاعت معها أمكانية شرب قدح ماء بارد أو شبه بارد ، مما أرغمنا على شرب الماء من الحنفيات، ولم تكن مياه الجرة تشفي غليل العطشان ، وهكذا مرت علينا 3 أيام تقريباً ونحن في حالة متعبة . وهو أمر لم يتكرر مطلقاً خلال 16 عاماً . عصر اليوم الثالث، وقد بلغ بنا التوق لشرب الماء البارد مبلغا كبيراً، خرجت أتمشى نحو الحانوت، والحانوت والقائمين عليه لديهم ثلاجة أرضية كبيرة لحفظ المواد ، ومديره  (وهو سجين سياسي ايضاً) يحفظ لي الود ، وهو يدرك أن ليس في السجن الآن من لا يشتهي قدح من الماء البارد ...! فدنا صوبي وسألني بصوت منخفض ، إن كنت أريد أن أشرب الماء ، وجاء لي بقدح كبير من الماء البارد من الستينلس ستيل،........ قدح من الماء لا ينسى مطلقاً حتى بعد 36 عاماً ...... في تلك اللحظة صار للماء لون وطعم ورائحة لا تفارقني مطلقاً . فتأمل قارئي العزيز ، أن للأشياء غالباً معنى كامن لا نراه ولا نشعر به لأننا أعتدنا عليه وألفناه ... وقد يكون شيئاً مميزاً جداً ، وله طعم رائع حتى لو كان مجرد قدحاً من الماء لا ينسى بعد مرور عشرات السنين .

تعليقات

أحدث أقدم