محمود خالد المسافر
اكتب إليكم اليوم بمناسبة التدافع في مدخل صالة كبار الضيوف في ملعب البصرة أثناء إقامة دورة الخليج العربي الخامسة والعشرين والتي تسببت بها كما يقول المراقبون حمايات مسؤولي حكومة الغفلة في مزبلة الخضراء وكثرة الشكاوي التي طالت الجهة المنظمة للبطولة ومن أهمها أن أعدادا كبيرة من الناس لم يستطيعوا الدخول إلى الملعب على الرغم من شرائهم بطاقات الدخول. بل إن بعضا من حملة بطاقات كبار الضيوف لم يستطيعوا الدخول الى منطقة كبار الضيوف لأن حرس البوابات لم يتمكن من منع المقربين من المسؤولين من الدخول حتى ولو لم تكن معهم أية بطاقة!!
أنا لست هنا في معرض انتقاد تنظيم البطولة حتى لا انتزع من الحالمين حلمهم بإمكانية الشجرة الفاسدة أن تثمر ثمرا ناضجا . لأن اولئك يحتاجون يوميا أن اثبت لهم كروية الارض ويحتاجون كل يوم صباحا أن اذكرهم أن الماء الذي يتناولونه في الصباح إنما يتكون من مزيج كيميائي من ذرة اوكسجين واحدة مع ذرتين من الهيدروجين . ولكنني اريد أن اربط لكم من مثال تعلمت منه الكثير في حياتي الدبلوماسية لتستنتجوا لوحدكم لماذا يحصل هذا التخبط . سألت يوما سفيرا عراقيا مخضرما وقد عمل دبلوماسيا في وزارة الخارجية منذ أواسط الستينات ثم أصبح رئيسا لدائرة المراسم في وزارة الخارجية في تسعينيات القرن الماضي سألته بعد الاحتلال الامريكي لبلدنا بسنوات سؤالا واضحا وهو لماذا كان التنظيم في اللقاءات والمؤتمرات والاجتماعات في تلك المرحلة اي ما قبل الاحتلال دقيقا جدا وكنا نرى المسؤولين يسمعون كلام دائرة المراسم والبروتوكول ليس فقط في وزارة الخارجية بل حتى في الوزارات الأخرى وفي مجلس الوزراء وديوان الرئاسة . إذ نعلم جميعا أن العراقي شخصية ليست سهلة فكيف بالمسؤولين العراقيين لا بد من سر ما يجعل كل المسؤولين يسمعون رأي موظف البرتوكول ويمشون خلفه من دون اعتراض فأجابني بالآتي : بعد ثورة 17-30 تموز 1968 بحدود السنة تقريبا حصل اجتماع كبير حضره كل من الرئيس المرحوم احمد حسن البكر ونائبه في مجلس قيادة الثورة المرحوم صدام حسين وكل أعضاء القيادة القطرية والوزراء وعدد كبير من المسؤولين في الحزب والدولة رحم الله من مات منهم وانيطت بدائرة المراسم في وزارة الخارجية أمر تنظيم مراسيم الاجتماع وكنت أنا الشخص الثاني بعد رئيس دائرة المراسم رحمه الله وقمنا كدائرة مختصة بوضع خارطة الجلوس للقيادة والوزراء وحسب اقدميتهم ولكننا تفاجأنا أن بعض أعضاء القيادة والوزراء لا يقبلون الجلوس في الأماكن التي خصصناها لهم وبدأ بعضهم يجلس كما يحلو لهم مما أحدث فوضى داخل القاعة . وقبل حضور الشخصية الأهم في هذا الاجتماع وهو الرئيس البكر حضر نائبه صدام حسين وقد يكون حضوره المبكر هذا من اجل التأكد أن الأمور التنظيمية تمشي بطريقة صحيحة قبل وصول الرئيس الى قاعة الاجتماع . وصل النائب إلى وسط القاعة ولاحظ أن هناك أمرا غير طبيعي يحدث وان دائرة المراسم لا تفعل شيئا فسأل بصوت حازم وين المسؤول عن المراسم ؟ فاجاب رئيس المراسم نعم سيادة النائب أنا المسؤول فقال النائب لماذا هذا الوضع غير المنضبط ؟ فأجابه لأن بعض أعضاء القيادة والوزراء لا يجلسون في الأماكن التي خصصناها لهم . فقال ووجه كلامه من وسط القاعة لكل الحاضرين قيادة ومسؤولين اسمعوا زين رفاق وانظروا زين لهذا الرجل حتى تتعرفون عليه لأنه مسؤول المراسم هنا اي كلام يقوله يتم تنفيذه هنا التنظيم عليه هو ورفاقه ونحن نسمع كلامهم . ولم يكرر كلامه بل إن كل أعضاء القيادة والوزراء الذين جلسوا في غير أماكنهم قاموا فورا وطلبوا منا أن نخبرهم اين عليهم أن يجلسوا . فما كانت الا دقائق وانتهت الفوضى وحل النظام ودخل بعدها الرئيس ولم يلحظ غير أن القاعة تنعم بالهدوء وبانتظار وصوله . (انتهى كلام السفير)
عندها علمت سر التنظيم العالي لمرحلة الدولة الوطنية فهل عرفتم سر التخبط وعدم التنظيم الذي عانت وتعاني منه كل الفعاليات والاجتماعات واللقاءات التي حصلت منذ 2003 والى اليوم ؟ واتمنى نوما هانئا للحالمين بإنجاز رياضي في زمن القتل والسرقة والمخدرات والجريمة المنظمة والعمالة للأجنبي .

إرسال تعليق