مسار التطبيع التركي السوري بين الحالمين والفاعلين

مشاهدات


 

ياسر عبد العزيز 

 


مازال خطاب الأماني وتخدير الشارع مستمرًا حتى ولو كان ذلك باختلاق تصريحات على لسان مسئولين .. فوزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو رجح في تصريح له نقلته وكالة رويترز أن يكون لقاؤه بنظيره السوري فيصل المقداد في أوائل فبراير القادم نافياً أنهما قد يجتمعان الأسبوع المقبل وهنا لا تزال الأصوات المعارضة للتطبيع التركي - السوري تختلق الأكاذيب من أجل تأجيج الشارع بدلا من مساعدة قادة المعارضة في اتخاذ مواقف أكثر واقعية في التعامل مع الطارئ الجديد هذا الأسلوب من مواجهة الواقع لم يقدم شيئًا سوى إثارة الغضب لدى الشارع السوري المعارض والذي يخرج بشكل يومي لرفض هذا التطبيع والنتيجة أن يتم الاعتداء على سالم المسلط رئيس الائتلاف الوطني” السوري المعارض في أعزاز تنديدا بتصريحات رئيس الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة عبد الرحمن مصطفى الذي بارك التقارب السوري - التركي قبل أيام فدفع المسلط ثمن تأجيج المشهد واللعب على المشاعر لا تصريحات مصطفى . 

 

فالحديث عن أن قطار التطبيع “الأردوغاني ـ الأسدي” كما يسميه مؤججو المشهد “سكتة” مفتوحة رغم الخلافات في وجهات النظر ومحاولة الأسد الظهور بمظهر المفاوض فيخرج بتصريح وجوب إنهاء التواجد التركي على الأراضي السورية  قبل البدء في أي مفاوضات وربط ذلك بتعثر مفاوضات التطبيع  فهو درب من العبث فالكل يعرف أن الأسد لا يملك من أمره شيئاً وأن الكفيل الروسي هو من يحركه ويتلقى تعليماته من الراعي الإيراني وتصريحاته مرتبطة بزيارة مرتقبة لتشاويش أوغلو إلى واشنطن بعد زيارة سرية لوفد من الخارجية الأمريكية كشف عنها بعد عودتهم من أنقرة يبدو أنها شملت عرضاً ما لتركيا بعد أن أخذ مسار التقارب مع دمشق خطوات لا يستهان بها . على الطرف الثاني يعرب حزب الاتحاد الديمقراطي الجناح السوري لبي كا كا التركي عن عدم تفاؤله من المباحثات المرتقبة مع النظام السوري خلال هذا الأسبوع وذلك عل إثر التقارب التركي مع النظام  فالأكراد الانفصاليون المتمركزون شرق الفرات يسيطرون على النفط السوري وهو مطلب النظام بعد هزيمة تنظيم الدولة الذي كان يسيطر على هذه المناطق فيطالب النظام بإعادة النفط أو على الأقل أن يكون له حصة فيه بدلاً من تلك التي يقول محليون إن أمريكا تستفيد منها فرغم التفاهمات العديدة التي توصل لها النظام مع المجموعات الكردية في الشمال السوري إلا أن هذه النقطة تحديداً كانت ولازالت محل خلاف رغم الترضيات التي تقدمها تلك المجموعات من وقت لآخر . في مقال (قراءة على هامش لقاء وزير الدفاع التركي والسوري برعاية روسية) بجزئيه تكلمنا عن الفاعلين في المشهد المحرك للتقارب التركي مع النظام السوري وتحدثنا عن المجموعات الكردية الانفصالية في الشمال كورقة بيد أمريكا بعد أن تسلمتها من روسيا الداعم التاريخي لهذه المجموعات واستفادة تلك المجموعات من السيولة الأمنية في تلك المنطقة وظهور تنظيم الدولة لتلعب دورًا محوريًا ذا شقين محاربة ما يسمى الإرهاب من يتصف به بحسب متخذ القرار الأمريكي وليس داعش فقط واللعب بها كورقة ضغط على تركيا ولعل التقارب التركي مع دمشق هو بالأساس لضرب تلك الورقة واللعب بورق الآخرين من أجل تحصيل أكبر مكاسب . 

 

زيارة تشاويش أوغلو المرتقبة لأمريكا يمكن أن تحمل عرضاً أمريكياً لتركيا لوقف التقارب التركي مع النظام والذي ترعاه روسيا وتريد أمريكا أن تقدمه بشكل تفصيلي وتتفاوض عليه وهو وإن حصل فستكون ربحت جولة جديدة من معركة اللعب على المتناقضات فمن ناحية لا تملك تركيا ترف الدخول في معركة كبيرة واسعة المحاور كتلك التي تم الإعلان عنها “إعلامياً” حتى الآن ولقد فصلنا ذلك في مقال (أظن أردوغان لن يفعلها.. إلا إذا) ونزيد على ما كتبنا في حينها من أسباب ذلك الاقتتال الداخلي بين القوات التي تدعمها في الشمال السوري منذ شهرين وهو ما يجعل تركيا تفكر أكثر من مرة رغم أنها تعتمد بالأساس على هذه الفصائل في عملياتها السابقة منذ 2016 كما إن ورقة النفط التي يرغب فيها كل من أمريكا ودمشق ومن ثم الروس ستلعب لصالح تركيا لذا .. قد تعيد أمريكا أطروحة تسيير دوريات مشتركة بين قواتها شرق الفرات وتركيا والتي رفضتها تركيا لذا أظن أن الأتراك سيضغطون باتجاه تحريك المجموعات الكردية الانفصالية ثلاثين كيلو مترًا شرق الفرات إذا أرادت أمريكا تسيير هذه الدوريات وقد تزيد الضغط، بطلب نشر الفيلق الخامس بدل “قسد” وهو العرض الذي قدمته روسيا ورفضته تركيا حتى لا تكون في مواجهة مع الأمريكيين فإذا سارت المفاوضات على هذا النحو فتكون تركيا أعطت أمريكا ما أرادت من وجودها بالقرب من مربع العمليات وهدأت الشارع السوري في الداخل التركي وفي مناطق نفوذها في الشمال السوري ومررت الانتخابات الأهم بالنسبة للعدالة والتنمية والرئيس أردوغان من دون بذل المال والأرواح في معركة لا شك ستكون صعبة، على طرفيها ومن يقف وراءهما أما روسيا فإن تجميد الموقف عند دعم سياسي واقتصادي من خلال الدبلوماسية التركية المقبولة دوليا في سبيل حل الأزمة الأوكرانية وإخراج موسكو من الورطة التي وقعت فيها معقول بالنسبة لموسكو على الأقل في الوقت الحالي .



تعليقات

أحدث أقدم