كيف انتشر التشيع في بلاد مابين النهرين ؟ وكيف يتم اختيار المراجع ؟ والعلاقة مع بريطانيا

مشاهدات



مصطفى كامل


بقلم غيرترود بيل/ 1920

مستل من كتاب جديد للدكتور مؤيد الونداوي بعنوان "الدولة العراقية الحديثة : بدايات التأسيس 1914-1920"

سيكون تتبع انتشار المذاهب الشيعية في بلاد ما بين النهرين دراسة تاريخية مثيرة للفضول إذا توفرت لها المواد اللازمة . لقد انتشر التشيع بالتأكيد بسبب الحماس التبشيري المقدس للشيعة خلال المائة عام الماضية . على سبيل المثال تحولت مجموعة كبيرة من قبائل زبيد والتي تمتد من النهر إلى النهر من شمال الكوت قليلاً حتى منتصف الطريق إلى بغداد إلى التشيع حوالي عام 1830 من قبل مجتهد شهير لا يزال أحفاده يهيمنون على سياسة الحلة . ومن الجدير بالذكر أن القبائل المتشابهة في الشمال الدليم والعبيد البعيدين قليلاً عن التأثير المقنع للأماكن المقدسة ظلت سنية ومازالت عملية التحول مستمرة . من المحتمل أن تكون إحدى عشائر الشريفات البدوية في المنتفك من المتحولين حديثًا (يميل البدو إلى التمسك بالمعتقدات السنية أكثر من المزارعين المستقرين) وقبيلة أخرى هم عشائر السحيم Suhaiyim ما زالوا سنة جزئيًا وهناك آل السعدون كمثال على التحول في السنة وهم من الاشراف ومن اقارب شريف مكة وهم من أنقى اتباع المذهب السني .

 

هناك أربعة مدن مقدسة في العراق هي : النجف.. وكربلاء.. والكاظمية.. وسامراء . تحتوي النجف على مرقد الامام علي (ع) الشهير بينما يوجد بالقرب من الكوفة المسجد الذي قُتل فيه ذلك الخليفة . تم بناء كربلاء في موقع معركة الحسين وهي تحمل ضريحه مع قبور العديد من أتباعه . جاءت قدسية الكاظمية في وقت لاحق وتعود قدسيتها إلى حقيقة أن الإمامين السابع والتاسع (من نسل الامام علي المباشر) قد دفنوا هناك . تلقت سامراء في وقت لاحق رفات الإمامين العاشر والحادي عشر بينما اختفى الإمام الثاني عشر في كهف على بعد بضع ياردات من القبر . لم يتسبب ابناء الكاظمية ولا سامراء في الكثير من المتاعب للأتراك في الماضي . على الرغم من أن السكان هم في الغالب من الفرس في الكاظمية إلا أن قرب المركز السني والعربي الكبير بغداد كان عاملاً قياديًا . يتمتع السنة في سامراء بسيطرة مباشرة أكبر فنسبة السكان العرب فيها أكبر نسبيًا والاوصياء الرسميون للضريح هم من السنة . لكن النجف وكربلاء ولا سيما النجف كانتا في كل العصور مراكز للتعصب الديني الفارسي ومراكز عداء دائم للسلطة القائمة وستظل كذلك بغض النظر عن الحكومة القائمة في بقية العراق .

 

عادة ما تكون النجف وكربلاء وسامراء هي أماكن إقامة كبار علماء الشيعة ودائما كان المرجع الاعلى في زمانه يعيش في احدى هذه المدن الثلاث، ويفضل عادة النجف. يفسر المرجع الشيعي الاعلى الشريعة المقدسة وهنا يكمن الاختلاف الجوهري بين شكلي الإسلام السني والشيعي. الأول يتبع تفسير الشريعة الإسلامية التي وضعها مؤسسو المذاهب السنية الأرثوذكسية الأربعة الحنبلي والشافعي والحنفي والمالكي وهذا التفسير ثابت . من ناحية أخرى فإن الشيعة يتبعون أحكام القرآن كما فسرها الأئمة وهذه الشرائع مرة أخرى أو على الأقل بعضها قد يفسرها المجتهدون أو يعدلونها كما يرون أنها مناسبة ولكن نادرا ما يحدث ممارسة هذا الامتياز. للمرجع سلطة إصدار أمر ديني أو فتوى سواء كانت دعوة للجهاد أو تصريحًا يُمنح للمريض يسمح له بتناول الكحول عند عدم وجود علاج آخر . يمكنه وبالفعل تمكن من أجبار حكومة ايران الشيعية على إلغاء المراسيم كانت هناك حالة شهيرة في مسألة احتكار التبغ لشركة بريطانية عندما نهى المرجع الاعلى في ذلك الوقت الشيعة من التدخين على أساس أنه لا يجوز منح هذا الاحتكار لغير المسلمين أطاع الشيعة وهُزمت الحكومة .

 

من الناحية النظرية جميع المجتهدين من رتبة واحدة لكنهم في الواقع يقعون في ثلاث فئات معترف بها وفقًا لتأثيرهم وعدد الذين يتبعونهم. لا يوجد مقرر دراسي محدد يمكن من خلاله لطالب الشريعة أن يصبح مجتهدًا أو أن ينتقل من صف لآخر كما أنه لا يلزم إجراء أي اختبار رسمي لتحصيله. لكي يتم الاعتراف به كمجتهد يجب أن يحصل الطالب المرشح على اعتراف بادعاءاته من كبار المجتهدين في عصره الذين يشهدون له بأنه يحسب من ضمنهم ومؤهل لإعطاء الفتوى . هذا هي عادة المكافأة التي يحصل عليها كل من يقضي 25 عاما من الدراسة في النجف تحت اشراف كبار المجتهدين فقط . ويجب أن تكون شخصية المرشح خلال هذا الفترة نموذجية . العزلة ضرورية لاكتساب السمعة الجيدة المطلوبة ويترتب على ذلك تلقائيًا أنه لا يوجد رجل من عائلة جيدة يصبح مجتهدًا. تتمثل الخطوة التالية للمجتهد المعتمد هي جمع الرجال المتعلمين حول نفسه وإرسالهم إلى أجزاء مختلفة من العالم للتبشير بشهرته. إن تأثيره إذا كان محظوظًا يكبر في الحجم مثلما تكبر كرة الثلج حتى يتم التعرف عليه أخيرًا بالتزكية العالمية كواحد من المجتهدين العظام . ثم يتزاحم الطلاب لحضور دروسه ويقوم الشيعة الأتقياء من جميع أنحاء العالم بإرسال مبالغ كبيرة من المال لتوزيعها على تلاميذه وكذلك على فقراء المدينة المقدسة التي يقيم فيها. إن أحفاد المجتهدين ليسوا مجتهدين في كثير من الأحيان على الرغم من أنهم يتمتعون بنفوذ واحترام بسبب ولادتهم .

 

هناك دائمًا مجموعة صغيرة من المجتهدين الكبار من أعلى درجة مقيمين في العراق أحدهم معترف به باعتباره المرجع الاعلى اعلى سلطة دينية في الشريعة الشيعية المقدسة  يكون المرجع الاعلى بالضرورة رجل مسن وعندما يموت المرجع الاعلى يخلفه المجتهد الذي يحظى باحترام كبير والذي غالبًا ما يكون من سنه ليشغل مكانه تلقائيًا. الواجب الأول للخليفة هو إصدار فتوى تسمح لأهل الشيعة بالاحتفال بصلاة الجمعة . بدون هذا الأمر يجب تعليق أوامر الأسبوع الرئيسية يجب على المجتهدين العظام المنغمسين في أمور الدين ألا يشاركوا في الشؤون الدنيوية إذا كانوا مهتمين بالسياسة إلا بقدر ما تؤثر السياسة على العقيدة لان ذلك يعرضهم لفقدان تأثيرهم في وقت الاحتلال كان المجتهد الاكبر في ذلك الوقت هو السيد محمد كاظم اليزدي . تم الضغط عليه من قبل الأتراك لإعلان فتوى الجهاد لكنه صمد لفترة طويلة وضمنها مفهومه بشكل عام أنه لا يعتبر أن الظروف تستدعي الجهاد نشط ابنه البكر في الدعوة إلى الجهاد في شتاء 1914-1915. أكدت المعاملة اللاحقة للمدن المقدسة من قبل الاتراك موقف الأب وعدلت موقف الابن . بدأت علاقتنا مع مجتهدي النجف وكربلاء قبل الحرب بوقت طويل فقد كانت الحكومة الهندية ومنذ العام 1849على علاقة مع كلتا المدينتين فيما يتعلق بوصية اودا هذه الوصية التي قام بتوريثها غازي الدين حيدر ملك عودا تتضمن مبلغا وقدره ما يقارب 121,000 روبية سنويًا ليتم إنفاقها في مساعدة الأشخاص المستحقين في المدينتين المقدستين وحكومة الهند التي ورثت مسؤوليات شركة الهند الشرقية وجدت نفسها في موقع الوصي كان توزيع الأموال مصدرًا للعديد من الصعوبات ولكن في عام 1910 تم تنظيمه بموجب ترتيب قام بموجبه المقيم البريطاني في بغداد بصرف الوصية من خلال لجان خيرية من المجتهدين وغيرهم من الأشخاص المحترمين واحد في كل بلدة .

 ___________________________________

منقول من صفحة الدكتور مؤيد الونداوي وهو باحث أكاديمي مهتم بجمع وترجمة وتحليل الوثائق البريطانية ذات الصلة بالعراق والخليج العربي على نحو خاص . النص عبارة عن مقالٍ للسيدة غيرترود بيل (مس بيل) الإنجليزية الشهيرة وهي مستشارة المندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس في عقد العشرينيات من القرن الماضي كتبته سنة 1920. في المقال جملتان  تثير الاهتمام .

الأولى : قول الكاتبة لا يوجد رجل من عائلة جيدة يصبح مجتهدا .

الثانية : بدأت علاقتنا مع مجتهدي النجف وكربلاء قبل الحرب (العالمية الأولى) بوقت طويل . فقد كانت الحكومة الهندية (الحكومة البريطانية في الهند) ومنذ العام 1849على علاقة مع كلتا المدينتين فيما يتعلق بوصية أودا. حيث كانت الحكومة البريطانية في الهند تتولى توزيع أموال هذه الوصية بالتنسيق مع مراجع النجف وكربلاء وموقف المرجع الشيعي الأعلى في ذلك الوقت محمد كاظم يزدي الذي رفض إعلان فتوى الجهاد ضد الاحتلال البريطاني باعتبار أن الظروف لا تستدعي الجهاد .

 



تعليقات

أحدث أقدم