لماذا علم النفس ؟

مشاهدات


 

محمود الجاف 

 

المقدمة

 

مُنذ وقت مُبكر من حياتك تبدأ الاهتمام بالآخرين . المُحيطين بك او الاصدقاء والاقارب ثم اقرانك في الحارة واللعب او المدرسة حتى تصل الى مفترق الطريق الذي وصلنا اليه جميعا وتكتشف انك كنت على خطأ . نعم كنا واهمون فالاهتمام والعناية يجب ان تكون لأنفسنا اولا ثم الاخرين وليس كما علمتنا الافلام والمُسلسلات او ما غرسهُ في عقولنا اهلنا جهلا أو ما يُسمى رجال الدين ظلُما والسياسيون حتى جعلونا نهرعُ الى الموت بسعادة من اجل ان تكبر كروشهم ونترك ذريتنا حفاة عُراة . لقد فهمنا التضحية خطأً . فأعطينا كل شيء من اجل لا شيء . ارواحنا واعمارنا وقلوبنا من اجل من احبوا المال والجاه والمناصب . ثم تبين اننا مخدوعون ولكن    !

 

كيف نُعيد الزمان ؟ 

 

رجلٌ احب فتاة حتى افنى عمره وأحبتهُ حتى ذابت فيه ومن اجله ثُم ماذا ؟ تخلى عنها وهي في بحر مُتلاطم الامواج . رغم انهُ يرى اليأس يُقلبها كالقشة في مهب الريح . كثيرة هي الامثلة لو تجولتم الان في عالم الذاكرة او حولكم سترون صورها او مُخلفاتها في وجوه المُحيطين بكم . اكثر الناس هم ضحايا الحُب والعاطفة والطيبة والصدق . امٌ خُدعت أو أب . او اخٌ او أخت او صديق كان يظنه السند وقت الضيق . لكنهُ تركهُ وحيدا على قارعة الطريق . كل ذلك لأنك تَركت ( انا ) وركزت ( عليهم ) هاتان الكلمتان هُما المُشكلة وفيهما الحل وكان لابد من استخدام الموازين   ...

 

صف الان اي شخص تراه ؟ 

 

النتيجة سيكون وصفك دقيقا وفي مُنتهى الروعة . لكن ماذا لو اردت منك ان تتحدث لي عنك او تخبرني . من وما انت ؟

 

علموا اولادكم قيمة ومقياس كل فرد واهميته وما هو الايثار ؟... ما هي الاولويات وما حقوقنا وواجباتنا وكيف نتصرف مع النفس والاخرين وما الذي يُمكن ان نعطيه او نأخذه وكيف وكم ومتى ولماذا ؟ متى ننسحب أو نتقدم أو نضحي وعلى من ومن اجل ماذا ؟... ماذا يعني الوطن والعم والخال والاخ الكبير او الاخت والاقارب او رجل الدين او المسؤول او رب العمل او المُدرّس والصديق . هل نحن مُلكاً لهؤلاء ام ماذا ؟ وما هي حدودنا وحدودهم ؟ 

 

لا احد علمهم ذلك حتى عبدوهم واصبحوا في حياتهم كالآلهة وباتوا لا يعرفون اي قانون عليهم تنفيذه وايهُم يعصونه ؟

 

اجلس مع نفسك . معك انت . وابحث فيك عن الاخطاء وصوِّبها وعن الإيجابيات وطورها وحدد لك قانونا تعمل به واهدافا تسعى الى تحقيقها . عجِّل فان الدنيا تمضي سريعا . لأنك يوم تقف امام المرآة وتكتشف ان العمر قد مضى لن ينفعك الندم . آن الاوان لتصحوا وتُرتِب رفوف قلبك وتُقيِّد مَشاعرك ولا تطلقها الا على من يستحق وبالكمية المُناسبة . لان السعادة مسرحية نحن من يكتب فصولها وعلينا ان نزيل كل الشوائب التي تختبئ بين الحروف ونمضي الى القمة ونحن نملأ قلوبنا بالأمل والاصرار . ستتعثر وتخسر الكثير من الوقت والمال والاهل . درجات وظيفية . اشياء ثمينة يحلم بها الاخرون . إلا انت . اياك ان تخسر نفسك من اجل ما هو ادنى منك قيمة ومُستوى ؟ ... إياك  

 

رغم ان خسارتها هي نتيجة لمجموعة من الاحداث الخارجية والداخلية التي تظافرت لتُنتج تلك الهزيمة الفادحة التي عند حدوثها يتحوّل الإنسان الى كائن مهزوم فاقد لأيّ عزيمة ورغبة في الحياة . وهذا الأمر يُشبه سقوط مدينة حاصرها العدو طويلًا حتى أنهكها فاستسلمت في النهاية وباتت تحت الإحتلال   ! ...

 

سينتهي كل شيء الا النجاح . ستبقى خالدا من خلال تأريخك الذي خطته يداك ونقشه سلوكك وجهدك في صخور المجد والأمل . كثيرٌ منا يتوهُ في دوامة افكاره . بين الحُب واليأس والحقد والضياع . أحيانا لايدري ماذا يفعل . لايعرف ما يجري . لكنهُ يستمر بإرادته في السير على طريق الوهم والخيال حتى يكمل دوره على مسرح الحياة حيث البرامج المُكررة السمجة المليئة بالدجل والاكاذيب . في هذا العالم العجيب الذي اصبح فيه الصادق شاذاً غَريب . عالمٌ رهيب     ...


ان عقلك يُشبه الوعاء . لو وضعتَ فيهِ الحُزن واليأس والجهل وكُره النفس والبيئة المُحبطة . كل العمليات العقلية ستكون نتاج هذه المُعطيات والنتيجة الحياة المُتعبة الصعبة والاكتئاب الذي يقودك الى الفشل والهاوية . لكن لو كان فيه الابتسامة وحُب الذات والحياة والعِلم سينتج قُدرات هائلة وسَعادة تقودك الى القمة . والمُؤسف اننا نحنُ من يَملأ ذلك الوعاء ( العقل ) فاحرص على ان تضع فيه ما يخدم اختياراتك ورُؤيتك للمُستقبل وابتعد عن المُحبطين الفاشلين فالمشاعر مُعدية . لان افكارنا واحاسيسنا تتَشكل نتيجة الاحداث من حولنا وما تراه اعيننا أو تسمعهُ آذاننا ولاتسمح لأفكار الحقد والحَسد ان تتراكم في أعماقك لأنكَ ستكون اول المُتضررين بها وقلبك أكبرَ الخاسرين وعليك ان تكره السُلوك الخاطئ وليس مُرتكبه فالحُب والاعجاب او غيره فعاليات داخلية لايمكن ان يتحكم بها غيرك

 

احذر المَلل لأنه آفةٌ خطيرة تُدمر الفَرد وتُفكك الأسرة . لو توقف الماء عن الجَريان سيُصبح آسِناً . رغم انهُ مادة الحياة لكنهُ سيكونُ مصدرُ خطر عليها . كذلك اعمارنا . جدد نشاطك دوما واسأل نفسك ما الجديد في حياتي ؟ 

 

ليس لهذا الامر علاقة بالمال والحالة الاجتماعية او الثقافية . يستطيع الفقير ان يصنع لُعبة من الاسلاك او يرسم لوحة على ورقة في دفتر قديم او يَبتسم ويُعدل سلوكه . يُمكنها ان تَخيط ثوبا او تُغير اسلوب تعاملها مع زوجها او اولادها وبناتها . أو تُعدل افكارها وتُقرر النجاح والتفوق في الدراسة او ان تَقرأ كتابا لترتفع به علما وثقافة ومَنزلة . يُمكننا ان نُسعد أو نُساهم في تَغيير احدهُم . أي شيء يُشعرك انك ما زلتَ على قَيد الحياة ويُمكنك التأثير في الاخرين ... أي شيء .  

 

لو ابتسمتَ الان ستُغير حياتك . أو صنعت حُلما جديداً . لو فكرت وراجعت نفسك وعدلت مَسارك وغيرت قرارك . وحتى اشعر بقيمتها وجمالها عليَّ ان اجدد في نفسي واعدل مَسيرتي في حياتي . في ثَقافتي وعلمي وعقلي وعباداتي

 

الان ليُقرر كلٌ منا ما الذي سيفعلهُ خلال الايام السبعَة القادمة .. ما الجديد في كل شيء ؟ 

 

لابد ان اسأل نفسي دائما ما الذي يجعلني أنا ؟ هل هو جسمي أم عقلي أم عواطفي؟ وأي جزء مني يهم الاخرين . كُلي أم بعضي ؟ ... لو إن أحدهم ذهب الى الحرب وعاد بلا ساقين . هل يُصبح شخصاً آخر ؟ 

 

يعتقد البعض ان من المفروض إزالة جزءًا منهم لانهم لا يستطيعون العيش معهُ ويُحاولون أن يُخبئوه . وقد يُراجعون أطباء ليجروا لهُم عملية جراحية للتخلص منه وبعد انتهاء مفعول المُخدر يشعرون بسعادة لأنهم يظنون انهم أصبحوا اجمل . لعلك مصدوم ولكنها الحقيقة . كم شخصا تعرفهُ غير شكلهُ أو حاجبيه أو انفهُ أو شفتيه بحجة التجميل ؟ الجواب : كثيرون

 

السؤال الآن هل الحياة صفة يُشعرك بها العقل ؟ ام انها علمك وعملك ؟ . ام هي جمال شكلك وجسدك ؟ . وهل من المُمكن ألا تكون حيا رغم وجودك ؟

 

يقول ديكارت : أنا أفكر إذا أنا موجود . هل فعلا كل من يُفكر موجود ؟ 

 

هناك حالات خالفت ما كان يعتقدهُ . لان بعض الناس ميتون رغم إنهُم يفكرون ويتحركون . ميتون في نظر اقرب الناس اليهم . ولا تشعر بانهم على قيد الحياة الا عندما يصرخون او يلعنون الاوقات التي ادوا فيها ادوار الحُب . ثُم تبَين انهُم بلا احساس ولامشاعر ولايحملون أي مظهر من مظاهر الحياة . رغم إن البقاء حيا أو ميتا لا يرتبط بالجسد فقط إنما بالطريقة التي نفكر فيها . لايعلمون اننا بحاجة إلى التماس الجسدي في الكثير من الأحيان حتى نشعر بأننا أحياء . احتضن من هم بحاجة إلى الدفء والحنان

 

هل أنت القصة التي تبنيتها في ذاكرتك أم التجارب الشخصية التي مرت في حياتك؟

 

قد نجد بعض الإجابات على ذلك في المصاب بمرض آلزهايمر . عندما تبدأ ذاكرته بالفشل وقصصهُ الشخصية بالإنهيار . لأنه يبدأ بسرقة الحكايات التي تُجيب عن السؤال

 

من أنا ؟ 

 

ذلك التاريخ الذي نرويه عن أنفُسنا كلهُ يتلاشى . فلا ماضي ولا حاضر ولا مستقبل ولا أنا . يدخل من باب الدُنيا كثيرون ويخرجون منها ولم يكونوا أحياءًا

 

عِندما نذهبُ الى الحَرب نُقابلُ العَدو . نعرفهُم ويَعرفوننا . معركة وارض وعدوٌ واحد . لكننا في الدُنيا نخوضُ يومياً عَشرات المَعارك التي قد تكون اخطرُ واكثر قَساوة وتَدميرا وبُؤسا وإيلاما . رغم ان العتاد الذي يستعمل فيها مجرد كلمات لكن تَأثيرها علينا اكبر وخَسائرنا فيها قد تكونُ مُدمرة . بل احيانا تقتلُ حتى الاحلام وتهدم البيوت وتُفكك الأُسَر . والعدو فيها قد يكون اقرب الناس اليك او جالسا في احيان كثيرة بين يديك . بل وحتى تحت قدميك . فإنتبه

 

لهذا عليكَ ان تأخذ مَعك اولادك كُلما خَرجت لقضاء الحاجات أو التَسوق أو إصلاح الاجهزة المُعطَّلة . دعهُم يُرافقوك ويرونَ الوجه الحَقيقي للحَياة ويَخوضون مَعاركها تحتَ اشرافك .يُشاهدون الاقنعة كيفَ تَتبدل ويعرفونَ مَتى ولماذا ؟ ...عليكَ ان تُعلمهُم . ان القريب قد يكونُ غريبا والغَريب قد يُصبحُ قريب وإن الفلوس تُغير النفوس ويَفهمون ما هُو الحُب وما هو الوهمُ والسَراب ؟ ... يَتعلمون منكَ كيفَ تُفاوِض . حتى يُحسنوا التصرف . لان عرق التدريب يُقلل من دماء المَعركة وفي الدُنيا يُبعدك عن التهلكة . فأنتَ لَن تَدوم لهُم

 

الاعجاب او غيره فعاليات داخلية لايمكن ان يتحكم بها غيرك . وعندما ينضج عندنا الإدراك ونبدأ بفهم وتفسير وتمييز المشاعر علينا أن نُقَيّمَ وَنُقَومَ حياتنا كل حين . ونبدل أو نعدل المكانة والقيمة التي تحددها المواقف والسلوك الذي يعلو او ينخفض كما تفعل أمواج البحر . فمن كان في القمة قد يهوي الى القاع او يَعلو منهُ اليها فالناس في تَغيير دائم والدُنيا كُل يوم هي في شأن  ...

 

منذُ طفولتنا نعيش في بيئة صغيرة او كَبيرة مُغلقة او مُنفتحة . مُثقفَة او يغلبُ عليها الجَهل نُؤثر او نَتأثر . نكبُر ويكبُر معنا ضعفنا وفشلنا او علمنا وتجاربنا الناجحة . نقترب او نبتعد . تصغُر او تتَسع الهُوَّة بيننا وبينَ الاخرين نتيجة ألمَواقف والاحداث والظُروف التي تجمعنا او تُفرق بيننا . تبني او تَهدم . واحيانا تنمو احدى البذور التي زرعناها في حياتنا . ثم ما تلبث ان ترى نفسها اكبر من الشجرة الام . عند ذاك عليك ان تفكر بالابتعاد والرحيل او كما يُسمى في الجيوش الانسحاب التكتيكي لكنهُ من واقع الحياة وليس من ارض المَعركة . الفطن فقط هو من يعرف كيف يختار الزمان والمكان المُناسبين . انسحِب عندما تكتشف انك لم تعد تُشكل لهُم اية اهَمية خُصوصا لمن ظلوا الطريق وتاهوا في دُروب الخَيال وعالم الخرافة والاحلام ولا تعد مرة اخرى حتى لو فَهموا الدرس او دفعتهُم الحاجة اليك او دلهُم الفراغ الذي شعروا به على مَكانتك .

 

كانت الفكرة السائدة عن علم النفس أنه علم الروحانيات والشعوذة ولهذا يُنظر إليه في خوف ورهبة . لكنها تغيّرت بعد ان ظهرت المؤسسات التي تُدرسُّهُ بشكل علمي . انه العلم الذي يدرس النفس . الشعور . اللاشعور . سلوك الإنسان والحيوان والعمليات العقلية المعرفية . وهو قائم على مناهج وطرق علمية تهدف إلى وصف السلوك وتصحيحه والتنبؤ به . وبلغ عدد مدارسه حوالي 46 فرعًا منها التحليلية لمؤسسها سيجموند فرويد والسلوكية وأشهر علمائها جون واطسون وسكينر والمدرسة المعرفية ومن روادها كافكا وكوهلر وجان بياجيه .

 

من فوائد دراسة علم النفس

 

التعرف على مراحل نمو الإنسان وأثر الجماعة على سلوكيات الأفراد وتأثير الفرد في الجماعة . وتطبيق مناهجه وأساليبه في مجال الصّناعة والشركات والمنظمات وحل المشاكل المتعلقة في العمل ودراسة ظروفه وبيئته من اجل وضع الرجل المناسب في المكان المناسب . كذلك داخل القوات المسلحة لرفع كفاءة وقدرات الجنود من خلال استخدام الاختبارات لاختيار الأفضل وتوزيعهم على الوحدات بما يتناسب مع ميولهم واتجاهاتهم وتعزيز الروح القيادية واكتشاف الاضطرابات التي يعانون منها وتقييمها وتحليلها وتفسيرها وعلاجها ومساعدتهم في ايجاد حلول مناسبة لمشكلاتهم والوصول إلى اتزان نفسي من اجل الاستمتاع بالحياة والعيش بهدوء واستقرار

 

يجب التنويه على أن الكثير من الأشخاص لا يفرقون بين علم النفس والطب النفسي على الرغم من أنّ التخصصين يُعالجان النفس البشرية إلا أن هناك فروقا كبيرة بينهما وفي الوقت ذاته هُما تخصصان مُتداخلان ومُترابطان . فعلم النفس يعتمد على الجلسات الإكلينيكية لتشخيص وعلاج المشكلة ويستخدم الاختبارات النفسية لتقييم حالة المريض ويعتمد على المدارس في حل المشكلات كالعلاج السلوكي والمعرفي والعلاج التحليلي وغيرها بعيدا عن العقاقير . أما الطب النفسي فهو فرع مُتخصص في دراسة وتشخيص الاضطرابات وإجراء الفحوصات ويستخدم العقاقير الطبية وصور الأشعة العصبية ويعتمد على الأخصائي النفسي والعكس كذلك وكلاهما يسعيان الى وصول الفرد إلى الاستقرار والاتزان وحل المشكلات التي تقف حاجزًا أمام تحقيق السعادة.


لهذا ومن اجل كل من دفع حياته ثمن طيبته وصدقه واخلاقه وعدالة قضيته وحب الناس والحياة . من اجل كل المُربين الذين ضيعهُم جهلهُم بعلم النفس وطرق واساليب التربية والتعليم الصحيحة حتى خسروا انفسهم وعوائلهم قررت ان اضع هذا المنهج

 

المؤلف  ...

 

تعليقات

أحدث أقدم