استراتيجية الأمن القومي الأميركي 2022.. دلالات وتداعيات

مشاهدات




ماريا معلوف

متخصصة بالسياسات الأميركية وشؤون الشرق الأوسط

 

من المتوقع أن تواجه الولايات المتحدة تعقيداً متزايداً بالبيئة الأمنية العالمية التي تتميز بتزايد منافسة القوى العظمى في حين أن التهديدات الجماعية والعابرة للحدود لجميع الدول تفرض مخاطر واسعة على جميع دول العالم . والتهديدات الأكثر مباشرة وخطورتها خلال العام الجاري 2022 ستبرز تحديات وسط الاضطراب العالمي المستمر وفي سياق نظام عالمي متطور حيث استمرار انتشار القوة يقود الجهات الفاعلة إلى إعادة تقييم مكانتها وقدراتها بشكل متزايد في عالم متعدد الأقطاب . فالصراع المحتمل بين الدول القومية يمثل تهديداً خطيراً للأمن القومي الأميركي وأظهرت بكين وموسكو وطهران وبيونغ يانغ القدرة على تعزيز مصالحهم على حساب الولايات المتحدة وحلفائها . فعلى مدار الأعوام الأخيرة أصبحت الصين منافساً قوياً وتتحدى الولايات المتحدة في ساحات متعددة لا سيما اقتصادياً وعسكرياً وتقنياً وهي تدفع لتغيير القواعد العالمية وربما تهديد جيرانها .ىوستظل الصين أكبر تهديد للقدرة التنافسية التكنولوجية للولايات المتحدة حيث تستهدف بكين القطاعات الرئيسية والتكنولوجيا التجارية والعسكرية المملوكة للولايات المتحدة والشركات والمؤسسات الحليفة .  فالصين قادرة على شن هجمات إلكترونية وتعطيل خدمات البنية التحتية الحيوية داخل الولايات المتحدة بما في ذلك خطوط أنابيب النفط والغاز وأنظمة السكك الحديدية .

 

كذلك تصارع روسيا نظيرتها الولايات المتحدة كلما توفر لها ذلك على المستويين العالمي والمحلي بما في ذلك استخدام القوة . ففي أوكرانيا يمكن رؤية نتائج رغبة روسيا المتزايدة في استخدام التهديدات العسكرية والقوة لفرض إرادتها على الجيران من المهم الإشارة الى مجموعة "فاغنر" الروسية وهي منظمة مرتزقة روسية متهمة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وشركات الأمن الخاصة الأخرى التي يُديرها مواطنون روس مقربون من الكرملين تعمل على توسيع نفوذ موسكو العسكري بتكلفة منخفضة في مناطق تتراوح من سورية إلى جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي ممَّا يسمح لروسيا بالتنصل من تورطها والنأي بنفسها بعيداً عن مناطق التوتر والصراع . أما إيران فستبقى تُشكل تهديداً إقليمياً في ظل استمرار أنشطتها الخبيثة على نطاق واسع حيث تستمر في تهديد المصالح الأميركية في ظل مساعيها إلى خفض النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط . وفيما يتعلق بمصير الاتفاق النووي فأنه من المحتمل أن يفكر المسؤولون في طهران في تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 90 بالمئة للحصول على السلاح النووي إذا لم يتم تخفيف العقوبات المفروضة عليها .  وبالنظر إلى كوريا الشمالية فستعمل على توسيع قدراتها في مجال أسلحة الدمار الشامل من خلال توسعة ترسانتها النووية وتطوير الصواريخ الباليستية مع استمرار كونها لاعباً مزعجاً على الصعيدين الإقليمي والعالمي . وبعض الدول مثل الصين وروسيا تنظر إلى الفضاء بشكل متزايد على أنه مجال للحرب وقد اتخذت مناقشات أمن الفضاء المتعددة الأطراف دوراً أكبر أهمية كطريقة لتقليل مخاطر المواجهة التي من شأنها أن تؤثر على قدرة كل دولة تعمل في الفضاء بأمان . كذلك بما يتعلق بالهجرة فمن المرجّح استمرار احتمالية حدوث طفرات في الهجرة من أفغانستان وأميركا اللاتينية ودول فقيرة أخرى تعاني من الصراع والتداعيات الاقتصادية لوباء كورونا كما أن الظروف الاقتصادية والسياسية في أميركا اللاتينية ستؤدي، بشكل مستمر إلى إثارة موجات الهجرة التي تزعزع استقرار الجيران الجنوبيين للولايات المتحدة وتضغط على الحدود الجنوبية . أيضاً لفت التقرير السنوي لمجتمع الاستخبارات الأميركية لعام 2022 إلى أن التدهور البيئي وتغير المناخ سيستمران في تأجيج تفشي الأمراض وتهديد الأمن الغذائي والأمن المائي وتفاقم عدم الاستقرار السياسي والأزمات الإنسانية . وستؤثر منافسة القوى العظمى والنزاعات بين الدول الغنية والدول منخفضة الدخل سلباً على التقدم في العمل الجماعي اللازم للوفاء بالأهداف العالمية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري .

 

هناك مخاطر إضافية وهي استمرار الجماعات المسلحة فمن الممكن أن تستغل الجماعات المسلحة ضعف الحكم في أفغانستان لشن هجمات ضد المصالح الأميركية فداعش والقاعدة وإيران وحلفاءها المتشددين سيستغلون ضعف الحكم والإدارة في المنطقة لمواصلة التخطيط لهجمات إرهابية ضد الأشخاص والمصالح الأميركية ممَّا سيؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار في مناطق مثل إفريقيا والشرق الأوسط . وألمح التقرير إلى أن استمرار حالة عدم الاستقرار والصراعات الإقليمية تسهم في تهديد الأشخاص والمصالح الأميركية وبعضها له تأثير مباشر على أمن الولايات المتحدة . على سبيل المثال استيلاء طالبان على أفغانستان يهدد المصالح الأميركية بما في ذلك احتمال عودة ظهور ملاذات آمنة للإرهابيين وحدوث كارثة إنسانية كما أن استمرار القتال في سورية له تأثير مباشر على القوات الأميركية كما أن التوترات بين الهند المسلحة نووياً وباكستان لا تزال تُشكل مصدر قلق عالمي . وبالإضافة إلى ما سبق ستشكل التحديات الأخرى العابرة للحدود الوطنية مجموعة من التهديدات المباشرة وغير المباشرة على الولايات المتحدة . وستتفاعل هذه التهديدات بطرق معقدة ومترابطة مع بعضها بعضاً ومع التهديدات التي يفرضها كل من الوباء وتغير المناخ ومنافسة القوى العظمى والجهات الفاعلة غير الحكومية التي تم تمكينها بشكل متزايد . كما تُشكل التقنيات الناشئة والتخريبية وكذلك انتشار وتغلغل التكنولوجيا في جميع جوانب الحياة، تحديات غير مسبوقة للولايات المتحدة . وعلاوة على ذلك ستستمر تداعيات الجريمة المنظمة عبر الوطنية والمخدرات غير المشروعة والتطرف العنيف والفساد المستشري في العديد من البلدان في إلحاق الضرر بحياة الأميركيين وازدهارهم وسلامتهم . وتهدد كل من الجهات الفاعلة السيبرانية الحكومية وغير الحكومية البنية التحتية وتُوفر سبلاً للتهديدات الخارجية ذات التأثير الخبيث ضد مبادئ الديمقراطية الأميركية .

 

في الخلاصة يدعم تقرير تقييم التهديد السنوي لعام 2022 التزام مكتب مدير الاستخبارات الوطنية بالشفافية وتقديم تحديثات للتهديدات القائمة الى الجمهور الأميركي والكونغرس . وأكد التقرير أن مجتمع الاستخبارات سيظل يقظاً في رصد وتقييم التهديدات المباشرة وغير المباشرة على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها. وتحقيًقاً لذلك يعمل ضباط المخابرات الوطنية التابعون لمجتمع الاستخبارات بشكل وثيق مع المحللين من جميع أنحاء الأجهزة الاستخباراتية لفحص نطاق التهديدات وتسليط الضوء على المخاطر المؤثرة على المدى القريب في سياق بيئة التهديد الشاملة طويلة المدى . 


المصدر : وكالات

تعليقات

أحدث أقدم