الصفقة

مشاهدات


 

سناء الجاك

كاتبة وصحافية لبنانية

عاش اللبنانيون فصولا مرعبة بعد إعلان الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله عن قبول طلبات لبيع مسيِّرات اعتبرها فخر الصناعة المحلية لحزبه . لا سيما أن هذا الإعلان استُتْبِعَ بعرض عضلات متبادل بين الأجواء اللبنانية والأجواء الإسرائيلية . واستعادوا ذكرياتهم عن حروب تورط لبنان بها يمكن توقع بداياتها لتبقى نهايتها في علم الغيب .

 

وتزامَنَ عرض العضلات في الأجواء مع تطورات الأزمة الأوكرانية وانشغال المجتمع الدولي بها بما يعني أن الدول الكبرى لا تملك الوقت او الرغبة للالتفات إلى الملف اللبناني كونه لا يشكل حتى نقطة في بحر الصراعات الكبرى التي تحصد الاهتمام . ولعل هذا التزامن هو المنشود حتى تبقى ترددات المسيِّرات في حدودها المحلية فتقتصر رسالتها على الحيز الاقتصادي الذي يحتاجه الحزب لتمويل نفسه من خلال بيع هذه المسيِّرات إلى المافيات الناشطة في المنطقة أو استخدامها لتسهيل عمليات تهريب المخدرات أو لضرب بعض الدول العربية خدمة للأجندة الإيرانية . كذلك هي رسالة لترهيب الداخل اللبناني الذي يمهد لتمرد عبر صناديق الاقتراع إذا ما سمح "حزب الله" بإجراء الانتخابات في موعدها بعد ثلاثة أشهر . وما يدعم هذه المقولة هو إعلان حسن نصر الله ان حزبه يقف وراء الدولة في مسألة ترسيم الحدود مع إسرائيل وذلك بعد تصريح رئيس الجمهورية الجنرال ميشال عون بالتنازل عن الخط 29 الذي يحصّل للبنان 1430 كلم مربّعاً إضافية من حقوقه في المياه الاقليمية والاكتفاء بخط الـ 23 كخط للتفاوض متجاهلا أنه طلب من وزارة الخارجية ارسال رسالة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن قبل اسابيع قليلة تمثّل إعلاناً رسمياً صريحاً بنقل التفاوض من الخط 23 إلى الخط 29 ليتراجع مشيرا إلى أن الخط 29 يفتقر الى الحجج والبراهين . واعتبر البعض أن هذا التراجع هو ثمرة صفقة تتيح لصهر عون  جبران باسيل الحصول على براءة ذمة أميركية تنظف ملفه من العقوبات المفروضة عليه بموجب قانون ماغنيسكي بتهمة الفساد مقابل رشوة إسرائيل على حساب الثروة المائية وربما النفطية اللبنانية تمهيدا لعودة آماله بخلافة عمه في رئاسة الجمهورية . وإذا كان الأمر صحيحا يبدو سكوت نصر الله عليه مثيرا للشبهات لأنه يصيب فكرة "المقاومة" التي يستند إليها ليصادر سيادة لبنان لمصلحة مشغله الإيراني . أما إذا كانت حقيقة الصفقة في مكان آخر يتعلق بمفاوضات فيينا بين إيران والولايات المتحدة مع إعلان وزارة الخارجية الإيرانية عن "تقدُّمٍ حيوي في المحادثات إعادة إحياء الاتفاق النووي" حينها يصبح سهلا التكهن بالدواعي الباطنية منها والعلنية . فإذا تولى الأصيل الإيراني حل النزاع اللبناني الاسرائيلي حول الاحواض الغازية والبترولية كتنازل يخدم ورقته في المفاوضات بالطبع لن يتردد الوكيل اللبناني المتمثل بنصر الله التأكيد أن "حزب الله" يقف وراء الدولة في مسألة الترسيم . والأمر بديهي لأن الحزب وبلسان نصر الله لا يناقش بل ينفّذ تعليمات مرشده فهو القائل إن "الجمهورية الإسلامية في إيران مسؤوليتنا جميعاً وليست مسؤولية الشعب الإيراني وحده" . بالتالي لا يشكل أي فرق تسهيل أمور باسيل ومساعدته على هامش الصفقة ذلك أن تعويم وجوده على الساحة السياسية يصب في مصلحة الحزب المحتاج إليه كغطاء مسيحي . والأمر البديهي الآخر هو السؤال عن سبب استعراض العضلات المتبادل بين الأجواء اللبنانية والأجواء الإسرائيلية إذا ما كانت الصفقة على نار حامية ؟! وإذا سلمنا جدلا أن الحزب يستعمل حكاية المسيِّرات هذه في شد عصب بيئته وتخويف الرافضين له من اللبنانيين لماذا وجه وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس رسالة تهديد إليه مؤكدا أنه "إذا قام باستفزاز إسرائيل فإنه سيتحمل عواقب وخيمة وسيتكبد أضرارا جسيمة" . لماذا تريد إسرائيل الحرب إذا ما كانت ستحصل على ما تريده من المياه الإقليمية اللبنانية ؟؟ المنطق يعيدنا إلى استعراضات سابقة اقتصرت على حروب البيانات التي تخدم الطرفين ومنها بدع القصف المتبادل في مناطق خالية من السكان . 

 

لكن هذا المنطق لا يمنع أن تبادر إسرائيل إلى ضربات موضعية محددة كتلك التي شهدتها بلدة عين قانا في الجنوب اللبناني ومنع "حزب الله" حتى الجيش اللبناني من الاقتراب من المكان الذي انفجر بالتزامن مع تحليق الطيران الإسرائيلي وصادر كل الصور والفيديوهات المتعلقة بالضربة او تلك التي استهدفت بطائرتين مُسيَّرتين حي ماضي في الضاحية الجنوبية ببيروت في العام 2019 . فحرص إسرائيل على منع الحزب من تحويل لبنان مصنعا للمسيِّرات والصواريخ الذكية لا يفسد للصفقة بشأن ترسيم الحدود المائية قضية ما دامت تترك له ولمشغله الإيراني استكمال مهمة القضاء على الدولة اللبنانية . وبالطبع لن يتدخل المجتمع الدولي لنصرة لبنان واللبنانيين ولنا في عتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الولايات المتحدة ومطالبته إياها دعمه بقدراتها الدفاعية خير مثال على تغليب هذا المجتمع وتحديدا الدول التي تتحكم بالسياسات العالمية المصالح الخاصة عند نشوب الصراعات الكبيرة . فالأمثلة المعاصرة تؤكد اما عجز الكبار عن نصرة الشعوب التي تدفع ثمنا فظيعا جراء ممارسات المتحكمين بالبلاد والعباد او انه لا يريد ولا يكترث الا بالصفقات الاقتصادية التي يتيحها له جنون الطغاة ومغامراتهم المدمرة . ولبنان لن يكون استثناء فلا أحد سيهب لإنقاذه من جحيمه ما دام "حزب الله" يقف وراء الدولة في مسألة ترسيم الحدود مع إسرائيل.. اللهم إلا إذا كان رأسه من ضمن الصفقة الشاملة التي لا تقتصر على الملف النووي كما يمكن الاستنتاج من تصريح الناطق باسم الخارجية الإيرانية عن "استعداد بلاده لإجراء محادثات مع السعودية" .


المصدر : عربي-sky-news

تعليقات

أحدث أقدم