(الموصل في حقبة الأخوين النجيفي)

مشاهدات




موفق الخطاب


 

منذ فترة طويلة وأنا متردد في تناول جانبا من  ملف سقوط الموصل بيد الإرهاب و المتمثل بإخفاق الإخوة النجيفي في التعاطي معه حيث انهم يتحملون بسوء الإدارة  وليس بسوء النية قسطا من المسؤولية بغض النظر عن موقف القضاء من تبرئة هذا الطرف أو إتهام الأخر  ، وآليت ان لا اتناول هذا الموضوع الا بعد أن ينتهي موسم الإنتخابات  وتعلن نتائج الفرز النهائية حتى لا يظن البعض أن وراء ذلك  مآرب وتسقيط  إنتخابية مقصود ,علما بأني بالضد من النظام والعملية السياسية برمتها والتي هندسها ويشرف عليها الاحتلالين الأمريكي والإيراني.


فكما يعلم الجميع أن الأخوين النجيفي لم يكونا في صفوف المعارضة لغاية الاحتلال ولم يمارسا السياسة سابقا وكلاهما خريجي كلية الهندسة جامعة الموصل و بالنسبة للحياة الوظيفية للأستاذ أسامة فكانت قصيرة جدا لم يتدرج فيها بمناصب قيادية متقدمة ولم يرضع منها الإدارة المتكاملة وحسب علمي فقد امضاها في دائرة الكهرباء الشمالية ,أما بالنسبة للأستاذ أثيل فلم ينخرط في السلك الوظيفي منذ تخرجه بل إتجه للتجارة وكانت هوايته المفضلة هي لعبة الريسز والتي جلبت له المتاعب..


فعليه فمن الصعب لرجل مهني أو لتاجر ان يمارسا السياسة فجأة دون دراسة ولا دراية وخبرة ,ودخولهم هذا المعترك كان بعد الاحتلال مباشرة، وهذا ليس عيبا ولا مثلبة بحقهم ,لكن الحق يقال فإن النظام السابق لم يسمح بوجود معارضة في الداخل بل أن كل من ينتقد النظام يعرض نفسه للهلاك لذلك لا يوجد معارضين ولا سياسيين محنكين في الداخل عدا رجالات النظام الذين هاجروا او كبلوا او تم تصفيتهم , وبعد إنهيار النظام وحل الجيش وتجريم حزب البعث فقد خلت الساحة من القيادات المؤهلة سياسيا ومهنيا تماما الا لمن دخل مع المحتل من أفراد المعارضة وأغلبهم من الاخوة الشيعة والكرد ونفر من الحزب الإسلامي وعلى الطرف الآخر هنالك ينتظر الفرصة طبقة العملاء من الداخل والذين سرعان ما كشفوا عن وجوههم الكالحة مع دخول أول دبابة, واعلم يقينا أن الاخوة النجيفي لم يدخلوا مع المحتل لكني لا استطيع أن أجزم هل كان هنالك تنسيق  فيما بينهم وبين المعارضة او المحتل؟! فهذا أمر يصعب إثباته او نفيه .


 ففي حينها كنت ما زلت مقيما في الموصل مسقط رأسي  ولم أغادرها و شاهدنا بأم أعيننا العديد  من الشخصيات المعتبرة من الداخل ولا داعي بالطرق لهم يجوبون المدينة بالهمرات مع الضباط الامريكان , والتي رحبت وعانقت الحاكم المدني بريمر و باتريوس ممن يحسبون على الأحزاب الإسلامية وباقي التشكيلات، على كل حال مضت الأعوام العسيرة وبعد بروز المقاومة إضطر الكثيرون  من الساسة الجدد بالذهاب إلى العاصمة بغداد او أربيل  لترتيب أوضاعهم مع فتح مكاتب لهم في الموصل تحت حماية مشددة ودخلوا العملية السياسية من أوسع أبوابها .


ولنفور رجالات السنة المدركين لخطورة الوضع وإستهجانهم للمحتل وأدواته بعد أن ساموا المدينة وأهلها سوء العذاب فقد عزف اغلبهم عن المشاركة في الحكم بعد انتهاء فترة مجلس الحكم وإدارة مجالس المحافظات المؤقتة, حتى حدثت اول انتخابات تشريعية عام 2005 فتم انخراط الحزب الإسلامي وبعض التيارات المتفرقة وتم الترحيب بهم من قبل المحتل والساسة الشيعة لإظهار الحكم بأنه ديمقراطي على إعتبار انهم ممثلين للسنة وهكذا ركبوا قطار الحكم دون أن يدركوا وجهته ولا خطورته بعد انفراط العقد مع هيأة علماء المسلمين التي اتخذت من منهج المقاومة طريقا لها وتم فيما بعد مطاردة أعضائها. 


فشغلوا مناصبهم فرحين بنشوة النصر والكرسي المخلخل  دون دراية كاملة لما يراد بالعراق ومناطقهم على وجه الخصوص حتى بلغ السيل الزبى و وجدوا أنفسهم في طوفان لا طاقة لهم به فما كان عليهم الا الخوض مع الخائضين , وما عجل في الأمر من كشفهم وفشلهم وعزلهم عن قاعدتهم في الدورات الانتخابية المتتالية هو عدم تمكنهم من المناورة واصطفافهم الحزبي المقيت وتفردهم في قرارات مصيرية واعتمادهم على مستشارين هم أجهل منهم محاباة للعشائر والحزب و المغريات والصفقات !


فتصوروا سادتي كيف هو الحال للمسؤول الذي لا يعي خطورة منصبه وما يحاك ضده وأن من حوله جهلة مطبلين بوظيفة مستشارين؟؟


وبعد احداث تفجير المرقدين العسكريين  الشريفين في سامراء عام 2006 انعطف العراق في حرب طائفية طاحنة تم تحريك تنظيم القاعدة بتواطئ سوري إيراني أمريكي مباشرة  لينخر في المجتمع السني بحجة مقارعة الحكم الشيعي فإنتشر كالنار في الهشيم في جميع المدن واخترق جميع الدوائر و المصالح وتهديد الناس في أرزاقها ثم أعقبها تشكيل الصحوات ورعايتها لتتجدد بعدها حكومة المالكي الثانية  ليكرس الطائفية ويزيد الشارع احتقانا وتزامن حكمه مع تولي السيد أسامة النجيفي لرئاسة مجلس النواب 2010-2014 عن القائمة العراقية مع تجديد الولاية للراحل جلال طالباني كرئيس للجمهورية في توزيع محاصصي طائفي بامتياز.


 وتم إقرار الكثير من القرارات التي مزقت العراق تحت قبة ذلك البرلمان وما كان على رئيسه الا المصادقة لأنه وحزبه وكتلته هم الكيان الأضعف فتم استخدامهم أسوأ استخدام لإضفاء الشرعية على حكم طائفي وقرارات مكبلة وكل ذلك  كان بعلمهم وبموافقتهم دون ان يكون لهم أي تأثير ولا القدرة بتمرير أي قرار او مشروع يخدم مناطقهم !


 ننتقل الان الى الموصل حيث تولى السيد اثيل النجيفي منصب محافظ نينوى  لدورتين متتاليتين 2009 لغاية سقوطها  2014  بيد تنظيم داعش الإرهابي ورغم ما حققه من إنجازات لا تنكر لكنه كان ذو شخصية نرجسية تعامل مع الجميع بحجم اكبر من حجمه وجعل له خصوما من حوله مما انعكس سلبا على استقرار المحافظة ولم يكن على وفاق لا مع الحكومة المركزية ولا مع القيادات العسكرية َلا مع الكرد بادئ الأمر  ولم يتمكن من المناورة وكان يتكئ على دعم الاتراك كجهة معادلة للايرانيين لكنه للأسف فلم يحصد منهم شيئا . 


حقيقة لقد كان دوره هامشيا في حكم المحافظة .


 وكان يفترض بالسيد أثيل النجيفي ان يفرض نفسه كمحافظ كامل الصلاحية او يقدم إستقالته ويفضح نهج المالكي وقيادة عمليات نينوى  أمام الملأ حفظا على كرامته  وحفاظا على ماء وجهه وتبرئة لموقفه امام اهل مدينته , حيث وصل به الأمر أن تم تحجيمه وحصر صلاحيته في مكتبه  والسماح له  بالتنقل في شارع المحافظة  مرورا إلى مسكنه فقط وعليه ان يحصل على موافقة مسبقة في أي تحرك له ، وأن أي جندي له الصلاحية بمنعه من رفع عارضة كونكريتية  تقطع الشارع  أو من المرور بشارع  واقع تحت سيطرة العمليات في حين ان منصبه يجعله المسؤول الأمني الأول في المحافظة فما هذه المهزلة والهوان التي اجبرتك على الرضوخ لهم وكانت داعش تفرض سيرتها حول المدينة فانشغل الجميع في عداء وتراشق تاركين داعش تزحف بكل أريحية؟؟


 فكان الأجدر به أن يتحلى بالشجاعة ويستقيل من منصبه لا أن ينتظر حتى سقوط المدينة ليغادرها تحت جنح الظلام ويرتمي عند الاكراد ثم تركيا ثم الأردن لتلاحقه الأحكام القضائية .


إن ما حدث لهم من خسارة مدوية في الانتخابات الأخيرة رغم انهم حاولوا بدفع نجل السيد أثيل عبد الله النجيفي بإعتباره شابا ليستمر على نهجهم له مسبباته فإن نقمة اهل الموصل عليهم لم تأت من فراغ فلها جذورها, فلقد خذلوا مدينته وقاعدتهم  طوال تسنمهم مناصبهم فلم تشهد المحافظة أي قفزة نوعية لا في الإعمار ولا في الاستقرار بل انه كان حجر عثرة في الاستثمار ومن الممكن الرجوع الى السيد موفق يونس قاسم مدير هيأة استثمار نينوى وهو من انجح المهندسين ليقص لكم معاناته معه وعرقلة عمله.


ولم يتمكنوا حتى من الضغط على المركز بتعديل استحقاقها الصحيح من الميزانية والدرجات الوظيفية واعادة المفصولين من الأجهزة الأمنية غبنا رغم ما قدمه السيد أسامة من خدمة لتوظيف البعض عند تسنمه لوزارة الصناعة في حكومة  غازي الياور، كما انهم فشلوا في إيقاف الزحف على مناطقهم .


 ولم يحدث في تاريخ العصر الحديث ان يكون محافظ نينوى ورئيس مجلس النواب إخوة ومن مدينة واحدة حيث إستبشر أهلها في حينها خيرا ، لكنه  للأسف يسجل في  عهدهم بأن المدينة دمرت عن بكرة أبيها ولا نحملهم هنا كل التبعات بل كانوا جزءا من ذلك النظام الذي مزق العراق وما كان يجدر بهم أن يعملوا مع حيتان وهم لا قدرة لهم بهم.


وما زاد الطين بلة هو تصريحات السيد اسامة النجيفي عن دور المقبور سليماني والطائفي المالكي بتهديده في المؤتمر الإسلامي بالخنوع للمخطط الإيراني وعدم معارضته أو إجتياح  وسقوط الموصل, وهذه التصريحات أدلى بها بعد مغادرته المنصب ولا يوجد شاهد على هذا الكلام غيره علما انه برر ذلك بقوله انه قد أعلم السفير الأمريكي وطمأنه الأخير بأن ذلك التهديد مستحيل ولا يدري المسكين أن الأمريكان طرف في اللعبة وهنا مكن الجهل السياسي! 


فلماذا سكت كل هذه الفترة ولم يفضحهم في حينها وكان يعتلي أعلى موقع تشريعي واكتفى بتطمينات السفير له ؟


 سؤال تقف وراءه مالا حد له من علامات الاستفهام ؟؟؟؟


ورغم كل ما حدث لمدينته إستمر يستجدي المنصب منهم ليقبل بدور هامشي ليصبح النائب الثاني لرئيس الجمهورية وتوطدت علاقته مع النائب الأول المالكي الذي نحر أهله من الوريد الى الوريد دون اكتراث بما حل في مدينته !!!


 فضلا عن تخبطهم في علاقتهم مع الاكراد بين الشد والتراخي ثم الرضوخ الكامل لهم والتنازل عن عنترياتهم مما افقدتهم قاعدة جماهيرية كبيرة كانت تعول عليهم للخلاص من طائفية حكام المنطقة الخضراء أو التخفيف منها وقضم اراضيها وتهميشها كأكبر مدن العراق.


وأخيرا يتحمل السيد أسامة النجيفي صفقة رواتب رفحا التي دمرت ميزانية العراق والتي مررها دون أي مقابل اللهم إلا  بضغط أو بتهديد أو لأجل بقاءه في كرسيه ووعود بالتجديد له..


ولا أشكك هنا في نزاهتهم ولا في وطنيتهم ولا املك الدليل وربما ستتكشف لنا في قابل الأيام فصول هذه الحقبة بعد ان تتشكل محاكم نزيهة ستكون قضية سقوط الموصل في مقدمتها , لكنهم أفضل من غيرهم بكثير ولا يوجد وجه مقارنة مع طبقة القتلة والفاسدين لكنهم ليسوا برجال دولة ولا  سياسة وبسببهم وصلنا لهذا الإنحدار والدمار.


بعد كل ما حدث كان الاجدر بهم  إعتزال العمل السياسي في بيئة ملوثة لا تصلح لهم ولا لعائلتهم العريقة المرموقة.


ان كل ما كتبته كان بمهنية وحيادية وهي تمثل وجهة نظر كاتبها وربما أكون مصيبا أو مخطأ، 


وأن حق الرد مكفول لهما، لكنها فترة حرجة يستوجب على من عاصرها من الكتاب ان ينقلها بأمانة للاجيال والله من وراء القصد.

تعليقات

أحدث أقدم