الحرب والسلام

مشاهدات

 



فائزة محمد علي فدعم 


كانت بعقوبة مدينة هادئة وجميلة ولايشغل أهلها إلا العيش بسلام وسعادة وهم يرددون دائما مقولة نكسب معاشنا ( يوم بيوم ) وهكذا تمضي ألأيام وهم يرفلون بالهدوء والوئام ولكن فجأة تغيرت ألحياة ودون سابق إنذار بعد نشوب الحرب العراقية الإيرانية فقد كانت أياما صعبة ومُهلكة خصوصا لأهالي هذه المدينة لأنها تقع على مفترق الطرق بين العاصمة بغداد والحدود ألإيرانية والعديد من المدن وكان هدير ألطائرات ليلا يثير الرعب في القلوب ويقض مضاجع ألأطفال وكذلك أصوات ألمدافع وألخوف يسيطر على ألجميع وكل يوم تزف مواكبا من الشهداء القادمين من ساحات الوغى . 


كان الألم وألأنين يُؤذي ألناس وأستمر ألوضع على هذا الحال مدة طويلة وفي خضم هذه ألأحداث لا أنسى أمرا مرعبا جرى لي في حياتي حين تعالت في إحدى ألليالي أصوات نباح ألكلاب ألسائبة بشكل مُخيف وبدأت تقترب شيئا فشيئا من بيتنا ولكنني فجأة وعند فتح الباب رأيت جارنا الساكن الجديد يقف امام بيته مرتبكا فتجرأت وقلت له : (حجي هل من خدمة اقدمها لك ) فأجابني بخجل : اختي العزيزة ان زوجة ابني في حالة ولادة وتعاني من آلام المخاض وزوجها في ألجبهة ولابد من نقلها الى المستشفى ولا أعرف كيف يمكنني ألوصول إليها فنحن غرباء .

 فقلت له :

لاتهتم ستسير الأمور على خير وبركة إن شاء الله فدخلت الى بيتنا واستأذنت زوجي بالذهاب مع المريضة وأختها فوافق بدون تردد وبعدها أوصيت ابنتي الكبرى التي كانت صغيرة حينها ولكنها ذكية واعية باني سأذهب لمساعدة ألجيران على أن تبقى في البيت ولا تفتح الباب لأي شخص كان وارتديت العباءة ثم أوصلني زوجي إلى بيتهم وعاد وذهبنا إلى المُستشفى حيث كان الطريق خاليا من البشر . تنيره مصابيح صغيرة لايرى منها سوى جزءا يسيرا من الشارع وبعد وصولنا أجري اللازم فقد تعاطفوا معنا وبتسهيل من رب العالمين تمت الولادة بشكل طبيعي وجاءت الى الحياة بنت جميلة تُشبهُ القمر .


مرَّت على هذه الحادثة أيام وسنين والحكايات تتوالى وألأحداث من سيءٍ إلى أسوأ والخسائر بالجملة بالأرواح والممتلكات ونحن نعيش على وقع الصدمة منتظرين ماذا جرى امس واخبار الغد واليوم ؟ .عندها طرق باب بيتنا وإذا بالقادم أحد أقاربنا وبعد ألتحية وألسلام وتجاذب أطراف ألحديث قال : ياعمتي حدثت لي قصة أغرب من ألخيال ولو رويتها لغيركم لما صدق فقلت له : ياستار .  فقال : كما تعرفين أنا من ألخريجين وقد تم إستدعائنا لخدمة ألإحتياط ووضعونا في حافلات كانت وجهتها مدينة الموصل وبعد عناء ألسفر وألجوع وألخوف من ألمصير ألمجهول وصلنا بسلام وإنقضى أليوم ألأول ونحن في شدة التعب وفي اليوم التالي قاموا بتوزيعنا حسب العرف العسكري الى مجموعات يقف بيننا الضباط والمسؤولين من ذوي الرتب العالية للإشراف علينا وبدأوا بسؤالنا الواحد بعد الاخر عن مسقط راسنا وسكننا فتقدم احدهم ليسألنا فردا فردا حتى وصل الدور لي وكنت ضعيف البنية خائر القوى من الجوع وفي لحظات رهيبة تقدم آمر المجموعة وقال لي ( من أين أنت ) ؟ 

قلت : انا من بعقوبة . 

فسألني فجأة بعد ان تغيرت ملامح وجهه هل أنت قريب من بيت السيد ( ابو مروان ) فأجبت بإستغراب : نعم إنهم أقربائي . فهمس في إذن جندي ألإنضباط ألذي كان يُرافقهُ قائلا : خذهُ إلى ألمطبخ وأطعمهُ جيدا وكان أكل ألضباط ذلك اليوم ( فاصولياء ورز مع اللحم والصمون أنقذتني هذه الوجبة من الجوع وكأني أكلت خروفا أو كنت مدعوا إلى وجبة قوزي . وقال لي عندما تنهي من ألطعام ( تعال الي لأني اريدك بأمر ما ) وعندما عدت اليه قال لي : سأمنحك اجازه لمدة سبعة أيام على أن توصل سلامي الى أختي الكبيرة ام مروان الطيبة وتخبرها باني شقيق البنت التي ساعدتها في تلك الظروف القاسية . عندها قام قريبي وقبل رأسي وقال لي شاكرا (اللي يسوي خير يلگي خير )

تعليقات

أحدث أقدم