عكرمة

مشاهدات





علي الجنابي 


ماذا دهاكَ أبا الحكم ! وعَتَبُ على صاحبِكَ عُتبة ! وويلٌ لثالوثِكُمُ ٱبن المُغِيرةِ ! أوَليسَ ذوو المُعلَّقات السبع من مضاربِكُمُ قد جَاؤُوكُمُ ببيانِهِمُ ليَنالوا ثَنائَكُمُ فكيفَ اذاً هوَ البيانُ في سنائِكُمُ ؟ وأنتُمُ في البيانِ مَن أنتمُ ؟ وكيفَ نَبَذتمُ وراء ظهورِكُمُ  كتاباً مهيمنَاً على البيانِ لمّا أتاكُمُ ! لِمَ كنتم تَستَرِقونَ السمعَ من وَراءِ جُدُر شَغفاً وحَذَراً مِن أحَدٍ الّا يَراكُمُ  فتَنطَلِقونَ مُتواصِّينَ بصَبرٍ على آلهةٍ كَوَّرَتْها أياديكُمُ !


إنّها {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْر} يا أبا الحكم ؟ وإنّكَ لتَعلمُ .. أنَّ في آياتِ صاد حَلَقَ الإعجاز وذُروةَ  بيانِ الضاد . وأنَّ في راياتِ صاد أَلَقَ الإيجاز وجذوةَ الجَوامِع  والاضداد . وأنَّ في غاياتِ صاد فَلَقَ الإنجاز وصهوةَ القرى والأفراد . فكان فمنٌ لكَ أبا الحَكم أن تَتقَيَّأَ التَّكبُّرَ وتَتَبوَأَ مَوطِئاً خَلفَها فتلفظَ  وَسمَ الجَهلِ وتنعُمَ بالرشاد وكان حقيقٌ على صاحبكَ عُتبة أن يَتَهَيَّأَ لِهِلالِها ويَتَفَيَّأَ ظِلالَها غَراماً ببيانِها وخشيةً يومِ التناد ! ولقد عَرَفَ ثالثكما فَلَم يَلزمْ  ففَكَّر وقَدَّر ثمَّ نَظَرَ ثمّ عَبَس وبَسَرَ ثم أدبَر واستَكبر فَفاتَهُ كريمُ الضادِ ونعيمُ الزاد .


ولكن أيا أبا الحكم ..

مَن يُضللِ اللّهُ فما لهُ من بيانٍ يُدنيِهِ  بإرتداد ولا حُلمٍ يُثنيهِ بسداد ولا حُكم  يغنيهِ  بإمداد ولن يكونَ له مجدٌ يَبنيهِ بأطواد ومالهُ من اللّهِ من هاد . وإنّما المَجدُ – يا أبا جَهل - للهِ المَجيد يُؤتيهِ مَن يشاءُ ويَصرفُهُ عَمَّن يشاءُ من عباد ومادامَ  بيانُكَ لم يُدنكَ لأمجادٍ وحُلمُكَ لم  يُثنِكَ عن عناد وحُكمُكَ لم يغنِكَ بين أشهادٍ فها هوَ ذا مجدُكَ يَبنيهِ خالدُ الذّكرِ بإنعقادٍ عِكرِمَةُ ! أفَتعرِفُ عِكرِمَةَ يا أبا جهل يا وتدٌ من جحودٍ وإلحاد ! بلى هو ولدُكَ (المُتَعَجرِفُ) الذي أهدَرَ الرسولُ دَمَهُ وماوَرِثَ منكَ عناناً وفقدَ بياناً فيكَ ليستطعِمَه بيد أنّهُ ما إفتقدَ فؤاداً للحقِّ مُنقاد يَدعَمه فإذ بذاتهِ للجهادِ ثائرةٌ وَقّادةٌ مُلتَحِمة فكان شرارةً جعلت الشامَ كلَّها موحدةً مسلمة .

للهِ درُّكَ يا عِكرِمَة !

للهِ درُّ قائد كتيبةِ الموتِ عِكرِمَة !

أسلمَ فَسَما بهُدى الله ولرحمةِ اللهِ كان هو الترجمة .

أسلمَ  فرَمى كلَّ سوآتٍ وطأتها قدماهُ إذ كانت آثمة .

أسلمَ  فصالَ على الموبقاتِ المهلكاتِ وشَدَّ الأحزمة .

أسلمَ فنالَ في يرموكَ ذُؤَابَة المجدِ وسنامَ الأوسمة .

أسلمَ بعدما جاهدَ عن هبلٍ ومناةٍ وعن عزّىً ولاتٍ آثمة .

أسلمَ  فعاهدَ اللهَ  ربّاهُ  أنّ روحيَ ومُنى الشهادة باتا توأمة .

أسلمَ عِكرِمَة  فما لبثَ أن أوغلَ في كراديس رومٍ مرعبةً جاثمة .

بادرهُ خالدُ : ( لا تفعل يا بن العمّ  فقتلك سيكون على المسلمينَ شديد) مأتمهُ فردَّهُ عِكرِمَة  ( تنحى يا خالد ! جاهَدَت نفسي ضد رسولِ اللهِ) في صُفوفِ الشِرذمة ! (أفأستَبقيها الآن عن اللهِ ورسولهِ) قعيداً غيرَ مُتَلَثِّمة !

 أسلمَ عِكرِمَة..

أسلمَ عكرمة فأستسلمَ للهِ فإستشهدَ في سبيل الله عكرمة.. إستشهدَ بشوقٍ للهِ بلا همهمةٍ وبتوقٍ لرسولهِ وبلا تَمتمة . قال خالدٌ وعلى فخذهِ رأسُ عكرمة وعلى ساقيهِ رأسُ عُمرَ وذلكَ ولدُ عِكرمة قالَ خالدُ وإذ يقطرُ في حلقيهما ماءً  تقطيراً وبغَمْغَمَة :

( زعم ابنُ حنتمة .. أي عمر.. أنّا لا نستشهدُ.. وكيف) ؟ ألم يدفعْ بنو مخزوم هذا الثمن العظيم  فذا العهدُ بذي تقدمة ؟

رحلَ عِكرِمَة

ورحلَ ومعه ابنُهُ (عمر) ورحلَ عمُّهُما معهما في يومِ المَلحمة .   ثلاث نفوسٍ بهرتِ الأنامَ وجهرتِ بالإلتحامَ وللردى كانت مُقتَحِمة ؟ثلاثةُ تروسٍ قهرَت يومَ الرومِ ومَهَرَتهُ بختمٍ مَنحوسٍ مَنكوسٍ وكانت حاسمة . للهِ درُّكَ يا قائدَ كتيبةِ الموتِ ياعِكرِمَة !

( ولقد اردتُ يا عِكرِمَة أن أسَمّيَ ولدي عِكرِمَة وأرادَ ربّي أن يهبَني ما شاءَ من أمَةٍ مُحتَشِمة وإنهٌ لعليمٌ قديرٌ بما يهبُ من نسبٍ ومن مَرحَمة ) .


تعليقات

أحدث أقدم