انتخابات الرئاسة الإيرانية بوصفها منتجا سياسيا

مشاهدات


يحيى الكبيسي


ينساق الكثيرون إلى النظر لانتخابات الرئاسة الإيرانية بوصفها انتخابات حقيقية ويكرر الجميع سردية الصراع بين المحافظين والإصلاحيين في ايران باعتبارها مظهرا لهذه الحقيقة لما يمكن أن تنتجه تلك الانتخابات من تغييرات في السياسة الإيرانية الخارجية على وجه التحديد والواقع أنهم يغفلون حقيقة جوهرية هي أن انتخابات الرئاسة الإيرانية قد حسم مجلس صيانة الدستور نتائجها مسبقا وأن هذه النتائج محكومة بمصالح النظام نفسه بعيدا عن إرادة الجمهور وأن هذه النتائج لا تغير من حقيقة أن دور رئيس الجمهورية يبقى محدودا إلى حد بعيد تحديدا فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية ! أعطى الدستور الإيراني لعام 1979 لمجلس صيانة الدستور صلاحية الإشراف على انتخابات رئيس الجمهورية (المادة 99) وهو مجلس يتشكل من 12 عضوا 6 منهم من الفقهاء العدول يختارهم القائد/ الولي الفقيه و6 آخرين من ذوي الاختصاص في مختلف فروع القانون يختارهم رئيس السلطة القضائية وينتخبهم مجلس الشورى يعني ذلك أن مجلس صيانة الدستور الذي أشرف على الانتخابات الأخيرة (التي جرت يوم 18 حزيران/ يونيو الجاري) قد ضم 6 أعضاء اختارهم الخامنئي نفسه و3 أعضاء اختارهم إبراهيم رئيسي نفسه في آخر تعديل جرى في تموز/ يوليو 2019 بعد تولي رئيسي لمنصب رئيس السلطة القضائية في آذار/ مارس 2019 !


منذ أول انتخابات للرئاسة الإيرانية جرت في عام 1980 بعد إقرار الدستور الإيراني كان الإقصاء أداة حاسمة ومنهجية في تحديد سيناريو انتخابات الرئاسة الإيرانية ومراجعة وقائع الانتخابات الرئاسية الثلاث عشرة التي جرت بين عامي 1980 و2021 تكشف عن تحكم مجلس صيانة الدستور في عملية الترشيح بشكل غير مفهوم في أحيان كثيرة بسبب إقصاء مرشحين يعدون من أعمدة نظام الحكم الإسلامي في ايران وهو إقصاء يحظى بدعم القائد/ الولي الفقيه كما في حال الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني الذي شغل منصب رئيس الجمهورية  دورتين رئاسيتين ما بين عامي 1989 ـ 1997 ثم ترشح مرة أخرى للانتخابات عام 2005 لكنه خسرها في الدور الثاني للانتخابات أمام منافسه محمود أحمدي نجاد والذي منعه مجلس صيانة الدستور من الترشح في انتخابات عام 2013 في الوقت الذي كان يشغل فيه منصب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام والذي يمثل السلطة التي تنتخب القائد بموجب الدستور الايراني ! وقد كان واضحا حينها أن ثمة قرارا قد اتخذ بمنع ترشح الإصلاحيين الذين يملكون حظوظا كبيرة للفوز بأي ثمن لاسيما بعد الأحداث التي أعقبت إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في العام 2009 والتي فاز بها أحمدي نجاد بولاية ثانية أمام مير حسين موسوي والتي سميت على نطاق واسع بالحركة الخضراء ثم منع محمد أحمدي نجاد  الذي كان رئيسا للجمهورية في دورتين (2005 ـ 2013) من الترشح في انتخابات عام 2017 و 2021 !


ومراجعة وقائع الانتخابات تكشف فوز الغالبية العظمى من المرشحين من الجولة الأولى للانتخابات وبفارق كبير عن أقرب المنافسين باستثناء ربما مرة واحدة في انتخابات 2005 التي جرت فيها جولة ثانية وتنافس فيها هاشمي رفسنجاني ومحمد أحمدي نجاد ففي الجولة الأولى لم يستطع هاشمي رفسنجاني، بسبب المنافسة القوية الحصول سوى على 21.13٪ من الأصوات في مقابل 19.43٪ لمنافسه الأقرب محمد أحمدي نجاد ولكن الجولة الثانية قلبت النتيجة واستطاع أحمدي نجاد الفوز بما نسبته 61.69٪ من الأصوات مقابل 35.93٪ من الأصوات لرفسنجاني . لا يمكن وصف عملية الانتخابات الرئاسة الإيرانية بأنها تحدث من خلال تنافس حقيقي بين مترشحين مختلفين في توجهاتهم وتغيير الوجوه في انتخابات 1980 و1981 و1981 مثالا لا تعني أيضا أن المنافسة كانت شديدة والفرص متكافئة ولكن ظروفا استثنائية فرضت ذلك؛ فالأولى جرت بعد هروب رئيس الجمهورية أبو الحسن بني صدر من ايران والثانية جرت بعد اغتيال رئيس الجمهورية محمد علي رجائي) أما الانتخابات في سنوات 1985 و1989 و1993 و1997 و2001 و2009 و2013 و2017 و2021 فقد فاز رئيس الجمهورية الإيراني من الدورة الأولى بالنسب العالية الآتية : 75.6٪ ..88.51٪.. 95٪.. 87.9٪.. 94٪.. 63.2٪..69.1٪.. 76.9٪.. 62.63٪.. 50.71٪.. 57.14٪.. 62٪ على التوالي . وكانت النتيجة الأقرب لنتيجة الفائز الأول في انتخابات العام 2017 هي ما حصل عليه المرشح إبراهيم رئيسي على 39.71٪ من الأصوات ! وفي انتخابات العام 2009 عندما حصل المرشح مير حسين موسوي على 33.75٪ من الأصوات .


تشكلت سردية الصراع بين المحافظين والإصلاحيين بداية من عام 1993 عندما حدث اول تنافس نسبي بين هاشمي رفسنجاني المحسوب على الإصلاحيين والمرشح أحمد توكلي الذي كان محسوبا على المحافظين وبدأت هذه السردية تأخذ حيزا أكبر بداية من انتخابات عام 1997 التي فاز بها الإصلاحي محمد خاتمي على حساب المحافظ أكبر ناطق نوري لتتحول مع انتخابات 2009 والتي فاز بها المحافظ محمد احمدي نجاد على حساب الإصلاحي مير حسين موسوي إلى مواجهة حقيقية انتقلت إلى الشارع  فيما عرف بالحركة الخضراء احتجاجا على نتائج الانتخابات . الأمر الذي فرض على الخامنئي رفقة مجلس صيانة الدستور مزيدا من الضبط للانتخابات ولم يكن فوز الإصلاحي حسن روحاني في العام 2013  إلا نتيجة مباشرة لرغبة النظام في التوصل إلى اتفاق نووي بعد تشديد العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بين عامي 2010 و2012  تحديدا ضد القطاع المالي والمصرفي الإيراني وحظر شراء ونقل النفط الإيراني وقرار تجميد أصول البنك المركزي الإيراني الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي مما أثر على الاقتصاد الإيراني تأثيرا بليغا وبالتالي كان الجميع في حاجة إلى رجل قادر على التوصل إلى اتفاق للتخلص من هذا المأزق. ولكن الوقائع أثبتت أن هذا الصراع  ليس له أي تأثير حقيقي في صياغة السياسات العامة للدولة الإيرانية تحديدا في ملف العلاقات الخارجية بسبب هيمنة القائد/ الولي الفقيه الكاملة على هذه السياسات فبموجب المادة 110 من الدستور الإيراني فان رسم السياسات العامة هي من صلاحيات القائد الحصرية بالتشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام فضلا عن الإشراف على حسن تنفيذها !


أخيرا لم يكن «اختيار» إبراهيم رئيسي والاستفتاء عليه وليس انتخابه بعيدا عن ما تقدم من توصيف للانتخابات الإيرانية وعن هاجس الإيرانيين تجاه خلافة الخامنئي وتجاه الغضب الشعبي صحيح أن مسألة مفاوضات الملف النووي تعد استراتيجية بالنسبة لإيران بسبب الوضع الاقتصادي الضاغط والناتج عن العقوبات الأمريكية لكن الهاجسين الأولين كانا بالضرورة حاسمين بالنسبة لخامنئي ولمجلس صيانة الدستور في ايصال رئيسي إلى منصبه .


تعليقات

أحدث أقدم