طب أبو طابوكه..دار المسنين “الشماعية” منفى داخل وطن

مشاهدات



 تقرير  احمد عماد / العراق


كان يملك عيادته الخاصه في لندن، حامل لشهادة الماجستير في الكسور والعظام من جامعة سالفرد-مانشستر، اختصاص كسور وهشاشة العظام، يعيش حياته خارج وطن لم يستطع قبول درجة الدكتوراه او معادلتها في العراق، لم يمنع ذلك دكتور نزار الذي فضل ان يكون باسم وهمي خوفا من الملاحقة، من الوقوف مكتوف الايدي، لقد زار العراق كثيرا في الاوانه الاخيره، كون معادلة الشهادة واحتساب الدكتوراة او معادلتها تبدو اصعب مما تخيل، لذلك اضطر ان يدخل العراق ويخوض غمار التجربة، تجول في مناطق عديدة زار عدة مؤسسات وتعرف على بعض الأشخاص ذات صلة.

 

 

خبرة سابقة

 

 يمتلك دكتور نزار صفه اكتسبها خلال ممارسته الطبية في لندن ان يستمع الى القاصي والداني، ويبذل مجهود جبار في الاستماع وابداء الحلول، اختلط بابناء المناطق الشعبية واستمع لهم، وهكذا تعرف على مستشفى ابن الرشاد (الشماعية) واستمع لهموم المرضى وكبار السن، الذين تم رميهم في شوارع بغداد من قبل ذويهم، لم يكونوا يمتلكون ادنى حد من متطلبات العيش الكريم، كانوا يعيشون في مكان تملؤها الحشرات والصراصر والرائحة الكريهة، وانعدام الأدوات الطبية والمعالجة المتاخرة مما أدى ذلك الى موت بعض الأشخاص نتيجة عدم توفر الادوية واهمالهم من قبل وزارة الصحة، لم يكن المشفى يحتوي على مواد عامه او عكازات او كراسي متحركة ومواد أولية طبية ويعاني من نقص حاد في الادوية والعلاجات الطبية، المستشفى تم تشييدة عام ١٩٢٧ كثكنه للجيش البريطاني وبقيت البناية نفسها الى اليوم، بعد ذلك تحول الدار الى ملجا ومآوى للمتشردين وكان يسمى تمبل خانة (دار الكسالى والعاطلين)، غير صالح للسكن البشرى وايل للسقوط.

 

 

 تابع دكتور نزار جميع حالات مستشفى الشماعية ابن الرشاد في اطراف بغداد، منطقة سكنية شعبية تملؤها مسافات ترابية واراضي زراعية قاحلة تحولت الى منطقية سكنية نتيجة انقطاع مجرى للماء فيها ، حيث هنالك مصب للماء قريب من المنطقة تمت زراعته حسب قول أصحاب المنطقة من قبل الأحتلال الاميريكي عندما كانوا يقيمون في مستشفى الشماعية احدى معسكراتهم التي كانت قريبة من مدينة الثورة، (الصدر حاليا)، حيث كانت تندلع اشرس المعارك هناك، تعرضت المنطقة للكثير من الأسلحة والصواريخ والمواد الكيمياوية، واحدة منها كانت عن طريق رش مياه النهر القريب من المستشفى بنبته تعرف ب (زهرة النيل) او كما يسموها في العراق (الشمبلان)، وحسب اقوال أخرى تزهر تلك النبتة في الجداول الميتة تقريبا او الجافة،ولا دخل للجنود بذلك، تعمل على امتصاص الماء وتخزينه داخل النبته وعند قصه او ازالته تظهر الزهرة مرة أخرى، الى ان جف الماء نهائيا وتحولت الأراضي الزراعية الى أراضي سكنية، وتحول مصب الماء الى مكان ملئ بالسموم والحشرات الضارة. 

 

 

عمل انساني

 

بعد اطلاعه على الكثير من حالات المرض الحنيف، اصر على فتح منظمة إنسانية تعرف باسم "فاندا ايد"، مختصة بمعالجة كسور العظام وحالات مرض القدم الحنيف ليتمكن من جمع المبالغ الخيرية سواء من لندن او من العراق، وفتح مركز حقيقي في العراق مختص بمعالجة حالات مرض  القدم الحنيف، بعد مراجعة الدكتور نزار لاغلب المراكز الصحية ووزارة الصحة في استحداث مركز متخصص لامراض القدم الحنيف وبدعم من منظمته التي يشرف عليها، واجه هذا الامر بالرفض الحاد ورفض الشهادة التي يعمل بها حاليا في العراق، مالم يتم التراجع عن هذا الامر،

ويقول الدكتور انه " وعند استفساره عن الامر، وجد ان العراق يحتوى على مراكز كثيرة للقدم الحنيف لكنها على الورق فقط، وعند اتصاله بالمسؤولين في وزارة الصحة تم تهديده في رفض شهادته وابعاده عن السلك الطبي في العراق".

 

ويذكر دكتور نزار ان "خلال عملي في عيادتي راجعني الكثير من المراجعين الذين يعانون من ذات المرض تم الكشف عنهم واكمال الفحوصات، اصررت على مفاتحة المدير التنفيذي للجنة التنسيقية للامم المتحدة للعراق ومركزه في اربيل ".

 

ويضيف " واجهتني الكثير من الحالات المشابهة في مستشفى الرشاد "الشماعية" حيث تمت معالجة اغلب حالات الكسور في تلك المستشفى بنفس الطريقة،. وهي سحب القدم والساق وربط العظام بالطابوق وسحبها عن طريق الحبل،

 

  

 لم استوعب الحالة في بادئ الامر ولكنني وعند متابعتي لقضية الكسور داخل مستشفى الشماعية واجهتني حالات غريبة وكثيرة منها رمي كبار السن عند عتبة بوابات المستشفى، او من يحتاج الى عمليات مكلفة خارج الوطن مما يضطر الابن او البنت الى رميهم في شوارع بغداد، وعند استفساري من بعضهم تمكنت من معرفة قصص كثيرة، لكنني لم أرى اغرب من طريقة العلاج تلك".

 

واحدة من علاجات طب أبو طابوقه هو راجحة سعود، احدى نزيلات مستشفى الشماعية الرشاد، تبلغ من العمر ٨٤ سنه، تم رميها من قبل ابنها وزوجته عند بوابة عتبة مستشفى الرشاد، تعاني راجحة من داء السكري والضغط ومفاصل العظام وضعف النظر، تمكنت راجحة من العيش داخل منفى الرشاد لتعاني الامرين، وفي احدى مرات استحمامها واثناء المشي سقطت لتكسر بذلك قدمها وبعض الرضوض، واثناء معاينتها من قبل الدكتور نزار في احدى زياراته، تفاجات بوجود هذا العلاج السحري وهو علاج أبو طابوقه، لم تكلف نفسها إدارة المستشفى في نقلها الى اقرب المستشفيات التي تمتلك المعدات اللازمة لتجبير قدم السيدة راجحة، عانينا الامرين لنقلها الى مستشفى الصدر التعليمي لتغيير طريقة علاجها من طب أبو طابوقة الى طب علمي حقيقي وهو تجبير الساق واخذ اشعة لغرض التشخيص لتحقق بذلك ادنى الكرامة الإنسانية".

 

 

يرقد في الجانب الاخر من قاطع المستشفى، جاسم فرحان وفي احدى الغرف التي قياسها  ٤ مترات في ٤ مترات يعيش فيها ٤ اشخاص كبار سن،  اثنان يعانون الخرف واثنان يعانون من امراض مزمنه وضعف نظر، يبلغ من العمر ٩٠ سنه، يعاني جاسم من ضعف النظر وهشاشة العظام ويحتاج الى عملية في قدم الساق اليمنى التي تحتاج الى بلاتين لارجاعها الى وضعها الطبيعي، لا يدري كيف وصل الى المستشفى، يمتلك بنت وحيده وهي خارج العراق، ولا يذكر أي تفاصيل ثانية، عن من هو ولماذا ومن اين اتى،  لكنه يذكر انه سقط اثناء استحمامه في احدى المرات في المستشفى، ولم يتمكن بعدها من النهوض طيلة ٩ اشهر من الفراش. 

 

 

بدات في جمع التبرعات من لندن والعراق وارسال المساعدات وتوفير المواد العامة والأدوات الطبية والأدوية لمستشفى الرشاد، وتكررت الحالة لاشهر وفي احدى المرات عندما اتيت محملا بالمساعدات الطبية


 

 تم منعي من دخول المستشفى نهائيا فجاة هكذا ومن دون سابق انذار منعت من الدخول، هكذا تحدث مدير عام المستشفى، انها أوامر من الوزارة، اضطررت الى ادخال المواد عن طريق صديق لي في المستشفى كون ان مستشفى الرشاد لا يمتلك ادنى مقومات الحياة، حيث يتكون من قسم خاص بالمسنين بنظام الغرف يتكون من عشرين غرفة، حيث جزء كبير من الدار لا يصلح للسكن البشري وايل للسقوط منذ عام ١٩٧٩ وتم استخدام قسم من هذا الجزء كادارة للدار. 

 

عدد نزلاء الدار حاليا ٩٤ نزيل ٣٩ امراة ٥٥ رجل يتغير هذا الرقم بين فترة وأخرى وبمعدل ١٠٠ نزيل، ومعدل اعمار النزلاء فوق السبعين عام، الغالبية العظمى من النزلاء تعاني من امراض ارتفاع الضغط الدم وداء السكري والامراض النفسية والامراض القلبية وامراض مفاصل وهشاشة العظام وبحاجة ماسة الى عناية طبية خاصة، عدد الغرف في الدار حاليا ١١ غرفة مفردة، ٢٣ غرفة مزدوجة كل غرفة اربع اشخاص، قاعتين كل قاعة عشر نساء، يتم حاليا تآهيل نادي صغير للرجال فقط للعب الدومينو والطاولي ولا يوجد نادي للنساء في الدار، تنعدم أي مظاهر للحياة داخل الدار، رائحة كريهة ووجبات غذائية لا تسمن ولا تغني من جوع، لا يوجد حتى كراسي للمقعدين، هنالك جدران متشققة داخل الدار قديمة متهالكة، صراصر تتمشى على جثث كبار السن، اغلبهن غير قادر على الوقوف، واغلبهم يعاني من الخرف والمرض والكسور، وعلى حسب اقوال النساء لا يوجد من يأتي الى الدار لمساعدتهم ولا احد يعلم بحالهم وكيف يعيشون.

تعليقات

أحدث أقدم