بعد منتصف الليل في برلين

مشاهدات

 


ضرغام الدباغ

أعتدت يومياً أن أنهي عملي بين الثانية عشر منتصف الليل والثانية فجراً وأحياناً أكثر ولكن ليس أبكر من ذلك والساعات القليلة الأخيرة تكون مفعمة بالعمل والأفكار فأسجل سريعاً رؤوس نقاط للأعمال المقبلة وأقرأ آخر الأخبار العالمية لليوم المنصرم وأغلق الكومبيوتر وأتجه الى غرفة النوم وقبل أن أحكم غلق الستائر أفتح الشباك لأتمتع بنسيمات الليل الباردة (في هذه الأيام تكون درجة الحرارة ليلاً في برلين بين 5 و7) وأتفقد الشارع (أسكن في عمارة بشارع رئيسي في برلين) لبضعة دقائق قبل الخلود إلى النوم .

منذ طفولتي وأنا أسمع القول المشهور " من راقب الناس مات هماً " ومع تقدمي في السن كبرت مدلولات هذا القول بالطبع فصرنا نطلقها على من يراقب الناس للإيقاع بهم (سياسياً) ونؤلف النكات حول هموم المراقب ودواخل أفكارة وأنفعالاته وهوسه في الإيقاع بالناس كوظيفة يتقاضى عليها راتباً فمتعته هي إلحاق الأذى بالناس ... وهناك من يضحي بحياته من أجل الناس ... فتأمل الفرق ,,,!

في أيام الكورونا وقد طالت واستطالت وسوف تبلغ العام بعد نحو شهرين . في بداية شيوع الوباء ... خفت حركة السابلة بنسبة كبيرة جداً قد تبلغ بين 75% إلى 85% رغم أن نسبة الأصابات لم تكن عالية (700 ــ 100 يوميا) بل كانت ألمانيا من الأفضل بين الدول الأوربية وتقلصت حركة السابلة والسيارات نهاراً حتى ساعات الليل المتأخرة وكان التزام المواطنين الألمان بالقواعد التي طلبت منهم السلطات الصحية عالياً وذلك بتقليل الأتصال والحركة الاجتماعية بدرجة طيبة . ولكن بعد الشهر الخامس (أيار ــ مايو) مع انحسار معقول للإصابات بفايروس كوفي 19 (كورونا) أستولى الضجر على الناس الذين لم يألفوا حالات تشابه منع التجول فشاعت بين الشباب خاصة رغض الألتزام بالقواعد الصحية وهذا غير معهود لدى الألمان ومن ذلك كثفوا حركتهم وخففوا من التزاماتهم بتقليل الحركة وحتى في أرتداء الكمامة على الرغم من مناشدة السلطات للناس بالألتزام بقواعد السلامة .

بسبب حلول موسم الشتاء عادت موجة كوفيد 19 (كورونا) تضرب من جديد وبقوة أشد ولكن أيضاً بسبب التهاون في تطبيق قواعد السلامة الطبية مما يدأ تصاعد مخيف بأنتشار الوباء ليبلغ عدة ألاف في اليوم الواحد (21 ألف إصابة : 5/ نوفمبر / 2020) وهو حوالي 20 ضعف معدل الأصابة في أشهر نيسان وأيار للعام نفسه وبالتالي تصاعد في أعداد الوفيات للتجاوز 100 الف حالة وفاة . " وبشكل إجمالي أوضح المعهد (معهد كوخ) اليوم أن عدد الإصابات بالفيروس بلغ حتى الآن 597583 حالة إصابة على مستوى ألمانيا منذ بدء تفشي المرض (حوالي 600 ألف إصابة) وأضاف المعهد أن إجمالي عدد حالات الوفاة بلغ حتى الآن 10930 حالة منذ بداية انتشار الفيروس في الربيع وزاد بذلك بإجمالي 118 حالة عمّا كان عليه أمس . وبحسب تقديرات معهد "روبرت كوخ" بلغ عدد المتعافين من المرض حتى الآن في ألمانيا 391600 شخص ".
وهنا أيقن المواطنون الألمان أن الأمر جدي بل قاس بجديته فعادوا للألتزام بقواعد السلامة رغم تعالي أصوات المتذمرين من الشبان ولكن الدولة كانت صارمة فالأمر ينبأ بخطورة حقيقية .

رباط الحديث ....
حركة السيارات خفت لدرجة غريبة حتى في الساعات المبكرة من المساء أما السابلة (المشاة) فأعدادهم قليلة جداً بحيث تمر دقائق كثيرة (ربما 15 دقيقة) حتى يمر أحد المشاة تنظر إلى الشوارع الطويلة العريضة ذات الجانبين مع جزرة وسطية فارغة كلياً ... حتى أني ذات ليلة شاهدت ثعلباُ خارج من البارك الكبير القريب يسير الهوينا آمن غير خائف يبحث بين براميل النفايات وهو منظر نادر في شارع رئيسي في عاصمة كبيرة كبرلين. ومتسول يبحث في الوايا وفي علب القمامة عن قناني زجاجية وبلاستيكية أملاً في تجميعها وبيعها(تباع القناني بسعر 15 ــ 25 سنت للواحدة).

ملاحظة أخرى أثارت انتباهي أن تحرج فتاة تسير لوحدها في الساعة الواحدة أو الثانية بعد منتصف الليل .. فهذا يشير أولا إلى الأمان وعدم الخوف ... جميل أن تعيش في مجتمع لا تخاف فيه من أحد يقود إلى شعور مريح ... في هذه الدول لا أحد يخاف من أحد .. إلا من القانون فقط لا غير ....!

تعليقات

أحدث أقدم