بين حقيقة وحلم

مشاهدات



صبا مطر


لم أعد أنتظر الكثير  بعد أنْ أذاب الوقت صورنا القديمة في متاهات الأيام والحروب الكبيرة. وأنا ما زلتُ أنا..  جرحٌ لم تسعفه الأيام  بالنسيان. أراقب عن كثب ما ستؤول له الأمور لاحقاً..

لم أتنازل يوماً عن الاعتقاد بأن الحياة كريمة جداً، وبأن القادم سيكون أجمل. يالي من ساذجة، تطحن الفراغ والاغنيات بين راحتين لم يمسسهما الحب منذُ زمن..

تتكاثر الصور مع فوران الوقت، بينما الرتابة تلجم باب المساء بالصدأ..

أعلمُ بأن لا وجود لما يسمى بالحقيقة. ولم اتوانى عن توبيخ نفسي بعد أن أدركتُ مؤخراً بأن لا شيء يمكنني امساكه برفق عدا الوجوه القديمة والمحببة إلى قلبي. فهل سأفعل؟

يقولون بأن اصعب ما في المواقف الجميلة هو القبض على نهاياتها. مثل قضمة حلوى تذوب في الفم ولا تترك شيئاً غير ذكرى عابرة.

لم أكنُ يوماً جاهزة للدخول في حكاية خرافية كما افعل الآن.. سأقبل بشروط اللعبة لأرى نفسي هناك، قادمة على متن حكايات في غاية الروعة. سأكون حتماً سعيدة لوقوفي في أدوار جديدة لم تهبها لي الحياة يوماً.. رغم معرفتي بأن العالم بثقله سيميل إلي الانحدار نحو وادٍ من صخور ناتئة إنْ أقبل الوقت من جديد!

يقول صديق قديم، "لا حقيقة غيرنا في هذا الوجود.. ولا شيء يمكننا امساكه غير اللحظة التي نحيا فيها. وهذا ما يجب أن نتكأ عليه بقوة من أجل تخفيف وطأة الوهم وغيرها من الاعتقادات الساذجة".

قد يكون محقاً أو غارقاً في الخطأ. لستُ أدري. كل ما اعرفه بأن لا ثبات في هذا العالم، وبأن لا شيء يمكننا مقارنته بالحقائق أن وجدت. فكيف السبيل إلى تصديقها إذا؟

سعيدة أنا بلعبة الخيال..

 واهمة أكثر من اللازم.. أعرف ذلك. لكنني على الأقل أشعر بسعادة تدفق الحياة في داخلي، وكأنها نبع صافٍ لم يعرف الكدر..

هناك.. حيث تتبدل الوجوه وتتغير المصائر بما يشتهيه الخيال. أليس الأمر أكثر من رائع؟

سيكون التلاعب بكل شيء محتمل، فمثلاً لو غيرنا نقطة ركيزة البداية  لما حدثت الحرب!

ولو أزلنا عموداً أو أثنين عن التركيبة الكاملة للقصة لكان لتشرين أنْ ينتصر من دون دماء أو فقد!

ولو حركنا حجر بازل إلى مكانه الصحيح لكّنا ما زلنا هناك، في وطننا المشتهى. دون أن تكدر صفونا فكرة احتلال  أو طائفية.

ولو بدّلنا في تسلسل الاحداث لصار لدينا وطن ولتخلينا عن فكرة البعد والاغتراب.

فهل تتيح لنا الحقيقة مثل هذا التلاعب بالمصائر؟ وهل ستصنع لنا نهايات سعيدة كالتي تصنعها الحكايات؟

ما زلتُ هناك.. اترنح على ضفة بعيدة عن هذا الصديق المتمسك برأيه القديم.. هو في ثقل جامد وأنا في حركة مليئة بأمانٍ استعرته من الخيال. بينما الوطن ينتظر عاصفة تشرينية جديدة لتبدأ معها عواصفه الحقيقية.

تعليقات

أحدث أقدم