وحدة الألمانية .. ثلاثون عاماً من الإنجازات التي غيرت مجرى التاريخ

مشاهدات


تحتفل ألمانيا في الثالث من أكتوبر بمناسبة تاريخية ألا وهي مرور 30 عاما على إعادة توحيد شطريها الشرقي والغربي عام 1990 بعد 45 عاماً من التقسيم بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية . لقد كان حلماً شبه مستحيل لعدة عقود لكنه أصبح في متناول اليد نتيجة التظاهرات السلمية في ألمانيا الشرقية والتغييرات السياسية التي حدثت في الاتحاد السوفييتي السابق قبل تفككه أثناء تولي ميخائيل غورباتشوف مقاليد الحكم والذي أدت سياساته إلى موجة من التحولات والتغييرات غير المسبوقة في بلاده وشتى أرجاء الكتلة الشرقية أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي .

ففي الثالث من أكتوبر عام 1990 وبعد عام واحد من سقوط جدار برلين توحدت ألمانيا في لحظة فاصلة أنهت انقسامها وغيرت خريطتها وساعدتها على لعب دور أكبر على المسرح العالمي كما رسمت الحدود من جديد بين عدد من دول القارة الأوروبية وأعادت تحديد موازين القوى عبر العالم وأغلقت ملف ما كان يعرف بالحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي والغربي بقيادة الولايات المتحدة . ولتجنب التجمعات الكبيرة وتقليل خطر انتشار فيروس قررت ألمانيا تقسيم احتفالاتها بالذكرى الثلاثين لإعادة توحيدها على مدار شهر بدأ منذ الخامس من سبتمبر الماضي وينتهي يوم الأحد حيث شرعت في مجموعة من الفعاليات تركزت بمدينة بوتسدام عاصمة ولاية براندنبورغ بشرق البلاد. وتوصف العقود الثلاثة الماضية بأنها الأفضل في تاريخ ألبلاد ومنها الخمسة عشر عاماً الأخيرة التي حفلت بالإنجازات بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل والتي نشأت في ألمانيا الشرقية قبل التوحيد. وبمناسبة الذكرى الثلاثين أشادت بما تم تحقيقه ووصفته بأنه إنجاز غير مسبوق تاريخيا لشعب بأكمله قائلة إنه أمكن خلال الثلاثين عاما الماضية تقليل الفوارق بالنسبة للظروف المعيشية بين ألمان الشرق والغرب بشكل كبيروأشارت في الوقت نفسه إلى استمرار وجود اختلالات هيكلية يتعين بذل مزيد من الجهود للقضاء عليها مؤكدة أن الوحدة عملية مستمرة في جميع أنحاء ألمانيا ليس فقط بين الشرق والغرب ولكن أيضا بين المدينة والريف والمناطق الضعيفة والقوية هيكليا. ومع مرور ثلاثة عقود على إعادة التوحيد ولم الشمل تبدي الحكومة الألمانية تفاؤلا حول ما تمّ تحقيقه خلال هذه وتقول إنها نجحت في تحسين اقتصاد البلاد وسجلت تراجعا كبيرا في معدلات البطالة وقادت طفرة تكنولوجية في العديد من المجالات على أراضي الولايات الجديدة، التي كانت تشكل جمهورية ألمانيا الشرقية. اقتصاديا كانت إعادة توحيد ألمانيا تحديا لكن تكلفتها ربما لم تخطر على بال أحد ففي عام 1990 أكدت حكومة ألمانيا الغربية أنه يمكن تمويل الوحدة دون رفع الضرائب لكن تقديراتها كانت خاطئة على ما يبدو وجاء تأكيدها ذاك فقط من باب عدم الرغبة في إثارة الفزع لدى الناس وعلى الرغم من عدم وجود تقديرات رسمية نهائية لتكلفة إعادة التوحيد حتى الآن يقدر الخبراء التكلفة بأكثر من 2000 مليار يورو تم ضخها في ألمانيا الشرقية خلال السنوات الخمس والعشرين الأولى للوحدة غير أن القسم الأكبر من هذه الأموال لم يتم إنفاقه على الاقتصاد لبناء الشرق بل إن كثيراً من سكان غربي ألمانيا جنوا ثروات ضخمة من هذه العملية وإنه بهذا المبلغ الضخم تم تمويل بناء الشرق بما في ذلك تشييد الطرق وجوانب البنية التحتية الأخرى وترميم المدن وإزالة أضرار التلوث البيئي وتقديم حوافز استثمارية للشركات وسداد ديون ألمانيا الشرقية التي قدرت بمئتي مليار يورو لكن الجزء الأكبر من تلك الأموال ذهب لدفع رواتب التقاعد والنفقات الاجتماعية مثل مساعدة العاطلين عن العمل ودعم الأطفال وخدمات اجتماعية أخرى. أمام هذه النفقات العامة الكبيرة كانت هناك مكاسب حيث جنى الألمان في الجزء الغربي من البلاد ثروات ضخمة من وراء إعادة بناء وتأهيل الشرق فقد وجدت المعدات والآلات والسيارات ومواد الاستهلاك والأثاث المنزلي ومستلزمات الترميم ومواد البناء والكثير من المنتجات سوق بيع مغرية في شرق ألمانيا ومن خلال عائدات الضرائب استفادت الدولة أيضا من نشوة الاستهلاك وزالت تكاليف كبيرة نشأت بسبب التقسيم في مقدمتها دعم المناطق الحدودية وخفض نفقات التسلح والدفاع إضافة إلى تكاليف الحفاظ والحماية على الحدود الداخلية .


ويقول مراقبون ألمان إن مشروع إعادة التوحيد كان معقداً ومكلفاً لأكبر اقتصاد في أوروبا إلا أن الألمان بمختلف أطيافهم كانوا ينظرون إلى إعادة توحيد بلادهم كهدف قومي لا تراجع عنه وفرصة تاريخية فريدة وجب استغلالها مهما كانت التكلفة والأهم من ذلك بالنسبة إليهم أن ألمانيا التي عانت من مرارة الهزيمة خلال حربين عالميتين استطاعت بعد سقوط جدار برلين واستيعابها الكامل لشطرها الشرقي أن تنهض وتتبوأ مكانها بمصاف الدول الكبرى وباتت اليوم رابع أكبر بلد مصدّر للبضائع في العالم بعد الولايات المتحدة والصين واليابان وثاني أكبر بلد مستورد بسكان يتجاوز عددهم 83 مليون نسمة ومساحة تبلغ ثلاثمئة وسبعة وخمسين ألف كيلو متر مربع. وتعد ألمانيا اليوم أضخم اقتصاد في الاتحاد الأوروبي وتمتلك أكبر عدد من الشركات التي تتزعم السوق العالمي وخلال الـ 25 سنة الماضية احتلت عشر مرات المرتبة الأولى على العالم في التصدير الذي هو سر قلة البطالة لديها والازدهار الاقتصادي معتمدة فيه على صناعة الحديد والصلب الفحم الوقود المعدني الكيماويات البلاستيك الآلات السيارات القطارات صناعة السفن الإلكترونيات تكنولوجيا المعلومات الأدوية والأجهزة الطبية. وبالمقارنة بين أول توحيد لألمانيا وهو الذي تم تحقيقه عام 1871 نتيجة للحرب وأدى إلى حروب أكبر فإن التوحيد الحديث كان سلميا وأسفر عن ظهور قوة عظمى جديدة ذات طابع قومي بقلب أوروبا توصف بأنها من أجمل البلدان وأكثرها عدلا وسلما وأمنا على ظهر الكوكب.

تعليقات

أحدث أقدم