هل يمارس الدبلوماسي الكذب ؟

مشاهدات

 


ضرغام الدباغ

تتردد أحياناً مقولة أن يجوز للدبلوماسي أن يمارس الكذب ويذهب بعضهم إلى أن الدبلوماسي أساساً يمتهن الكذب ويستشهدون بمقولات للمفكر الإيطالي نيقولاي ميكافيلي ينصح فيها السياسيين عامة بأستخدام الكذب وله في ذلك مقولة شهيرة " منذ فترة طويلة وأنا لا أتكلم الحقيقة وإذا صادف مرة وأن قلتها فإني أغلفها بحزمة من الأكاذيب بحيث يصعب بلوغ كنهها ". ولا أعتقد أن هذه المقولة الميكافيلية تصلح كقاعدة عمل في دبلوماسية اليوم .

 ولا يتورع دبلوماسيون من عصور الدبلوماسية الكلاسيكية في عصر الاستعمار يوم كان ممثلون بضعة دول أربعة أو خمسة يجتمعون ليقرروا مصير العالم يجلسون ويحتالون على بعضهم يغش بعضهم بعضاً يتوصلون لأتفاقات تعبر عن الوضع الحالي لقدراتهم المالية والعسكرية ولكنهم ينقلبون على بعضهم حالما يتغير ميزان القوى لصالح أحدهم وإذ يعقدون التحالفات والائتلافات ولكنهم يفضونها لدى أو فرصة لتغير جدول المكاسب ... ويتقاتلون بضراوة لا علاقة لها بالدبلوماسية ولا بالإنسانية ..

 لم يتغير الوضع الدولي للأسف كثيراً ورغم وجود هيئة الأمم المتحدة فما زالت حفنة من الدول تقرر ما هو حلال وما هو حرام والقانون الدولي أداة يستفيدون منه ولما يعارض القانون أفعالهم أو ما يزمعون القيام به يفسرون القانون على هواهم أما زعيمة الدول الإمبريالية فتقرر علناً أن مواطنوها (من العسكريين أو غيره) هم فوق القوانين ولا يخضعون لمحكمة الجنايات الدولية.

 الدبلوماسي موظف موثوق مئة بالمئة وأي خلل في الثقة تحبط مهمته والدبلوماسي شخص يخوض غمار مصاعب في مفاوضات ومواقف ربما صعبة لذلك فهو بحاجة لتأهيل خاص ومن ذلك أن يكون مدرب بصورة ممتازة متعلم ومثقف ذكي يجيد استنباط الحلول وعالي التهذيب ليكون قادراً على التأثير في محيطه ولا يمكن تصور الدبلوماسي كاذباً فذلك يحبط مهمته ويحيط شخصه بهالة من الشكوك والثقة المزعزعة.

 قد يواجه الدبلوماسي مواقف محرجة يشعر فيها بضرورة ممارسة الكذب لإنقاذ موقف مهم ولكن مع ذلك من الممكن للدبلوماسي التخلص من الموقف المحرج دون الحاجة لممارسة الكذب إذ يمكنه أن يطلب تأجيل بحث الموضوع أو إنهاء التفاوض بسبب عارض صحي ألم به أو أنه بحاجة لأستطلاع رأي حكومته هناك ذرائع كثيرة جداً إلا أن الكذب فساد يلحق بالتفاوض وبمهمة الدبلوماسي.

 ونجد من المناسب أن نوضح أن الكذب هو غير " الخدعة " (bluff) والخدعة يمكن ممارستها بأشكال عديدة على أنها موقف ..! مثلاً صرف اهتمام الطرف المقابل بعرض احتمالات أخرى ..أو طرح موضوع جانبي لإشغال أهتمام الطرف المقابل أو بالعكس إبداء الأهتمام بفقرة غير رئيسية لتمرير فقرة ترغب بها وهذه خدع مهذبة أنت لا تمارس فيها الكذب بل تناور وتدور حول رؤوس النقاط وتبدي أهتماماً هنا وتجاهل هناك وتحاول أن لا تعرض سقف موقفك فتعرض نفسك للضغط.

 الدبلوماسي شخص مؤهل تأهيلاً متيناً جم التهذيب والأدب ولا يمكن تصور الدبلوماسي أن يكون فضاً خشناً مثقفاً يستطيع أن يؤثر بحديث الرزين والحصيف وثقافته وإطلاعه الواسع أن يحمل الآخرين على احترام اراؤه وليس نادرا أن كانت شخصية الدبلوماسي الرائعة عنصرا مهماً في نجاح مساعي دولته ونجاحه في مهمته.

 هذا جانب من جوانب شخصية الدبلوماسي ولنا الكثير من التجارب والخواطر لدبلوماسيين نجحوا وآخرين أخفقوا .... وهذه لها صفحات أخرى ..

تعليقات

أحدث أقدم