مقامة (تأبط شراً / تأبط حباً) :

مشاهدات


صباح الزهيري


كان ثابت بن جابر الفهمي , أحد الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي يضع سيفه تحت إبطه أثناء الغزو فقالت له أمه تأبط شراً , وهناك روايات أخرى عن أصل هذه التسمية , منها أنَّه قتلَ غولاً ووضعه تحت إِبْطِهِ ومشى به إلى قبيلته , فقيل : تأبَّط شرًّا , ومن الرّوايات أنّ أمَّه طلبت أن يأتيها بشيءٍ , فأحضر أفاعيَ بعد اصطيادها ووضعها في جِراب مُتأبِّطًا إيّاه , وعندما فتحته , سعت الأفاعي في البيت , فقالت له النساء : لقد تأبطت شراً , عاش تأبَّطَ شرا في القفار ومجاهل الأرض يعانقه الفقر والتشرد والتمرد , مؤمنا بأن الحق لا يؤخذ إلاّ بالقوة , ولا سبيل إلى المحافظة على استمرارِه وفرض وجوده إلاّ بالسلب , وهو الذي كَسّر قانون القبيلة والمجتمع الجاهلي بثورته ضد عُرْفها , يعد واحدا من الشّعراء الذين فقدوا استقرارهم في مجتمع جاهلي تميَّزَ بغياب العدالة الاجتماعيّة , سلّطَ هجومه على تركيبة القبيلةِ مُتمرّدا عليها كحال الصعاليك الذين عُرِفوا في العصرِ الجاهلي , وله حكايات كثيرةٌ تَروي شجاعتَه : فَأَصْبَحْتُ والغولُ لي جارَةٌ فيا جارَتا أنتِ ما أَهَوْلا , فمَنْ سال أين ثَوَت جارتي فإنّ لها باللِّوَى مَنزِلا , وكنتُ إذا ما هممتُ اعتزمتُ وأحرِ إذا قلتُ أن أفعلا , وله :


قَد ضِقتُ مِن حُبِّها مالا يُضَيِّقُني

حَتّى عُدِدتُ مِنَ البُؤسِ المَساكينِ .


ذلك الشر كان في الجاهلية , أما صاحبنا الثمانيني فقد تأبَّط حبا وفي صحاري التمرد يكسر كفر القيودْ وإلى صديقنا ثابت الفهمي يعانق بالشعر كنه الوجود , أنا تأبط شعرا وحبا فحب لليلى وليلاه كنهُ , وشر بحبها حين احتوتني وعاتبني القلب أن لم أعنهُ , وإن كنت حقا تأبطت شرا فذا الحب شرٌّ ولا بد منه , ومهما اعتراني بوجد الكيانِ ومهما ابتلاني فلا تبت عنه , فإنه شر من الشر أني إذا كــان شرا أنا لم أكنهُ , فلا تبحث عن المنطق الخطي هنا , واتبع الإيقاع , دع الكلمات ترتطم بوعيك كمكبر صوت مهترئ , نحن هنا لندين النسخ واللصق البشري , ودعني أنا تأبط عشقا وحبا أنا رحلة العشق والعاشقينْ , أحب التي علمتني الحروف وميض القصيد ومعنى الحنينْ , ليلى حبيبة قلب شغوف لهوف لليلاه في كل حينْ , ليلى وجرح يمزق روحي فتدنو المسافات يحلو الأنينْ , وتمضي السنين إلى لست أدري ومن حيث أدري تلف السنينْ , وتبقى التباريح بالقلب حرفا يعانق بالشك عمق اليقينْ .

انت تأبط حرفا وحسا ومعنى فأينعت فخرا وفجرت نبضا تراقص على نغمة لعنة , وكل الحروف لليلى سماء , دموع ترق لها الاغنيات , شموع بافاق ليلى تضاء ,

يا خليليّ من أنا , خَبِّراني لستُ خِبَّاً ولا أنا أتغابَى , كم غرامٍ أتاكَ يُشهِرُ نابَا غزَّ جنبيكَ جيئةً و ذهابَا , كم مَوَاتٍ و أنت تنشدُ شعراً ذابَ وجداً و ذوَّب الألبابا , هكذا أنتَ و الفجائعُ دوماً في التحامٍ خُلِقتُما أترابا , والحنان الذي تمُدُّ لحُبٍّ ردَّهُ الحزنُ غصةً أو مصابا , صَهْ وداري فأنت تحملُ قلباً فوقه البؤسُ كم سقى أكوابا , أدمَنَ الآهَ والنوى والمراثي ضَجّ حباً و ما رأى أحبابا , النبيذ الأحمر محرم في وسط المدينة , انه يباع بالمثقال في أطرافها وانا مشرد عاري , حلمي يرتدي ملابس رثة , ويأكل طين التاريخ الممزوج بالنعناع والقنب. أنـا تأبط حربا وحـبا وحرفا هو الحدّ نار وماءُ , وليلى ستخلد في كل حرف وكل الحروف لليلى سماءُ , دموع ترق لها الأغنيات شموع بآفاق ليلى تضاءُ , وكل الحروف فناء لعمري وكل الحروف دماء دماءُ , وبوح بكاتمه مستـبـدٌّ وجرح يعلّمني ما يشاءُ , ليلى تُمنّي فيورق فجرٌ وليلى تغني فيبكي المساءُ , كان امامي وانا في حلمي , خياران يظهران كوشم على يدي اليمنى او اليسرى , لا اعلم الخيار الأول وهو مر , أن ابتلع حبة الصمت الزرقاء واحاول الاندماج , وامشي مع الشريط , واراقب الرداءة من الداخل لعلّي أجد ثغرة , الخيار الثاني محبط , أن امسك بالميكروفون المشتعل واصرخ بكلمات غير مفهومة , تكسر الإيقاع العام , واواجه طوفان النسخ المتشابهة فوراً. أنا تأبط حبا وشرا وشعرا وليلا به الدمعَ أجروا , تطرفت في حب ليلى وهمت وأعلنت عشقا يحاذيهِ حَجْرُ , ليلى وتغريبتي في الصحاري حنينَ المهـاري وحاديه زجرُ , وليل الصعاليك ليل جليل جميل يمنّيه بالبوح فجرُ , أنا النيزكي الذي لا يبالي بأي الأماكن يرميه هجرُ , وإن كان عيشي بسلوها خير فموتي بليلاي فضل وأجرُ, واللواتي عشقتُ كُنَّ عِذَاباً في البداياتِ كيف صِرنَ عَذابا ؟ يا خليليَّ من أكونُ سأروي واعجَبَا أنني سائلٌ وأجابا , إنني الحب كلُّه ونصوصي من خرابي تفَتَّحَت لَبلابَا , كم لليلى ذرفتُ أدمُعَ عيني أغنياتٍ ولم أكن زريابا , كم كيعقوب مسّني من سُليمى ذلك الضُرُّ حين عاثت غيابا , وأنا اليومَ في ذهولٍ لأمري كيف أصبحتُ مؤمناً مُرتابا , كم غرامٍ و كم حنينٍ وحزنٍ يُؤجَرُ القلبُ مُخطئاً أو أصابا , هو موتي بوردةٍ أو بكحلٍ فاحضنيني وقرري الأسبابا , عاش حرفي على السطور أميراً فاجعلي الموتَ مثلَهُ خلَّابا .

تعليقات

أحدث أقدم