الإنسان وأرض الوَطَن وَعَبث ”الخَرنگعية“ !

مشاهدات



د.سعد الدوري


رَبَطَ سّبحانّه تعالىٰ الإنسان

بالأرض قَبل خلَقه .. إذ قال في كِتابه " ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ "

فإن وِلد بَشَّراً فَوق أرض ـ مكان ـ وَنمّا وإرتقىٰ عليها ـ علىٰ قواعد الإيمان المرسُومة للإنسان ـ فلا مَفرَّ له إلا وإنتسَّب إليها .. وعَشق المَوتَ عَليها ـ فَالأرض الوطن ـ تَوليفة مِن(بَيت ،مَحلة زُقاق ،حَي) ـ كُلها بِجمعها تَتشابك بِخرائِطها وَتارِيخها وناسِها في رأسهِ وَضَميره فتكُون وَطن .. فَرغم حَجم وسِعة كُل تِلك الخرائط ـ حِينمّا يُطفئ النهار ٱضواءِه يأوي (لِبيتِّه) ـ الذي وِلدَّ وَسَكن فِيه .. كَالطير الذي يأوي لِعشِّه ليلا . لِذا قال (أهل المثل الشعبِّي) في مَوطنِّي ـ

«رِحت بَيت الله مُو مِثل بَيتي»..

بِقصد التَعبِّير عَن الشعُور بالراحة والحُرية ليس غَير .. والإعتزاز (بِالإرتباط) بِتلك الأرض التي كُتب عليه أن يكُون مِنها وَفِيها ، بِدافع غريزَّة العَودّة لِلأصل ـ فَيتُولِد حُب الوَطن وَيعيش فِيه الىٰ الأبد .. ويُدفن معهُ في أرضِه .! لأنّه مَجبُول مِنها وَإليها ـ كما قال تعالىٰ ـ ﴿مِنها خَلقتُكُم وفِيها نُعيدكُم ومِنها نُخرِجكُم تارةً أخرىٰ﴾ ..!

فإسمحوا لنّا أيُها القُراء هُنا أنْ نقول ـ
* إنْ إمتَلئت بِيَّ بُقاع الأرض ـ سُروراً وغِنَىٰ ..
لنْ يَركَع شَوقي لِغيرّ مَسقطِي !
وإن شِختُ بَينَّ كُنوزها لِخِفتُ ..
يُطمَّر هيكلِّي في غَيرِّ مَنزِّلي !
أخَافُ ـ يَوم يُنفخُ في الصُور ..
أصرُّخ قائلاً ـ وَيلِّي
ـ مالذّي بَعَثنِّ غريباً بينَّ أجداثٍ مِن قَبرِّي .!
كأننّي ـ أبحثُ بَاكياً ..
خَائفاً مُرتَعِبّاً ـ بَينَّ زُحامٍ رَهيِّب ـ
فُقدان أُمي في صُغرٌّي ..

ـ هٰكذا (الإنسان) حِينما يَكُون صاحِب نَسَّب وَعِنوان .. يَشَعرَّ بِالحُرية والأمان لاتَتزعزَّعان فِيه في وطنّه .. إلا حِينمّا تَشاء الأقدار ـ ويَعبث بالوطن والدار (العابثون ـ الخَرَّنگعِّية)* والأشرار .. وَيُهاجِر لِغَيرِّ بَيتِّه وَمكان .. فيكُون حالهُ عِندَّها ـ أشبّه بِحالَ حَيوان ـ إنْ هُدِدَّ أمنّه ـ إستبدَلَّ وَكرِّه ـ في أرض (غَابَتِه) .. لا يُغادِرَّها حتىٰ يَمُوت .! ويَبقىٰ حَفيز الغريزة فِي الدَم ـ مُواصِلاً النَظر ـ يَجيشُ في صَدره عِشق العَودّة لِلمَكان حَيث (وَلدَتهُ أُمُه) ! يُستثنىٰ مِن هٰذه القاعدة الإنسانيّة ـ"الأَنذال" ـ أولاد الحَرام .. فَهُم لا يَرتبِطُون بأرضٍ وَشَعب .. لأنّهُم بلا عِنوان وَنَسّب .. لايعرِفوا معنىً لِلولاء .. ولا يهتزُّ عُندهم ضَمير ولا عَصب ..! يَكرهون ذِكر كُل جِهاد .. وَينزعِجُون مِن صَراخات التضحيات من أجل وَطن .. كما ينزعج (الخفاش) مِن ضوء النهار ! لأنّ في مَوروثاتهِّم البَشرية ”خَلّلٌ عظيم“ مُنذ أنْ كانوا "نُطفاً" تَنقطتْ بِلوث في ”أرحام وَلاداتّهِّم“ ! (خَلّلٌ عَظيم) ـ لأنّهُ نِتاج ”ذنب عَظيم“ ـ مُخالِف لِشَرع الله العَظيم ـ فيكُون أنكىٰ وصفاً مِن خلّل الإلتواء والإعوجاج في بُنيان أقيمَّ علىٰ ”أساس أعوج“ .. فَينعكس آثاره فِيهم سَلباً يقيناً .. فَيتَنَذّل ”النَذلُ“ حَدَّ ”العِرق“ ـ كإنعكاس ضوء الشَمس بِحدِّ حرارّتها في كُل جُزيئات مرآة .! * ”العِرق“ المَزروع في ”الحَرام“ يُؤلف وَيَطغِي علىٰ جَميع تركيبات "جِينات" ”النَذل“ .. فَتُسبغُ وتُصبغ سُلوكياته شُذوذا ـ وفوقَ كل ذٰلك ـ بِحُكمِ تأثيرات تلك "الجِينات الخبيثة".. يَنصاعُ ”كالكلب“ السأئل لُعابِه خلف ”عظّمة“ ـ لِما سَيكتشِفهُ فِي مِن تَناقُضات في (دَوارّة خَلجّات نَفسِّه وحياته) ـ مِن حَقيقة زيف ”نَسبّه وحَسَبِّه“ ـ وَشَواذ سُلوكياته وطقُوسه وعاداته وأقيامه التي نشأت بين”مُربِّيه“.. الشاذّة بالتمام والكمال عَن طبيعة أقرانّه مِن البَشر ـ في الإنتماء والإنتساب الإنساني والإيمان ـ وهو يُراقب ”كاللِص المُحترِّف“ بِدقة حَاسٌد ناقِم كُل مَا يَدُور حَولّه .. فَيَنتابَّهُ شعوراً مُضافاً ـ ”بِالدونية“ـ فيلجأ ليُغطيها ”بِالتَقيّة والمظلومية“ في حالات ضُعفه .. فَتكُونا عادةً في طَبعه ومادةَ حِجتّه ! وَسرعان ما يَنقلِب الىٰ وَحش وطاغية وَمتَجبُّر وقاتل وسَفاح وساقط عَلنّي ـ عِند حالات ”إستقواءهِ“ ـ مع أول رفعٍ لقوانين إنضباط الأخلاق والسُلوك عَنه .. وَ تنعدِّم جميع المَعايير الإنسانية لِضبط وَزنّه .! كل هٰذا وذٰاك ـ مَخزون مكبوت لامحالة في باطنِ عَقله .. سواء شَاء أم أبىٰ ـ ”تُشيطنّه“ في إخفِاء الخَساءات فِي جَوفِه .! إلا أنها تَظّل ـ تُحدِث (زَنزنات) في رأسه ـ لا تُغادر طَنتنّاتِها ـ حُجيرات ذاكِرته وفِكرِّه .. فَتُطرِّف شذِّوذيات سُلوكياته .. وتُربِكهُ .. كما طَنين "الذباب" ـ الذي يُربّك ويُزعِج حتىٰ (الفيل) رُغمّ ضَخامة حَجمّه .. فيُهزُّ أُذنيّه اللتان لا تَخلِوان مِن ثُغور بِعَبث .. ويهزُّ ذَيلّه بلا نفع لِقُصرِّه .. فيَدُوس بِكل طاقة ثُقلِّه حَيثُ تطأ قَدمِه ! ورُبما يُجبّر بالتصرف كالمجنون بَين أفراد قَطيعه ! عندها كُن علىٰ يَقيِّن يا قارِئ جُملي وسُطوري ـ * سَيَكرَّه صَاحِب ”عِرق النَذالة“ ـ حيث وِلد وَسَقط رأسه مِن الزِنىٰ ! فإستناداً علىٰ هٰكذا تَصور ـ لايحقُ لِعاقل فَهيم ـ أن يَظُن ولو ظنّاً ـ فِيمَنْ يَكرّه وَيَعبث في ”أرضِهِ“ أنْ يُحِب وَطناً وَشَعبَّه .؟! إطمئن يا عِراق أنت لنا وطن بِك نَحيّا وَفِيكَ نمُوت .. ومِن أجلك إنْ لَم نَمُّت اليوم سَنمُوت غداً .. لِتحيّا أنتَ فَقط (أُماً) لنا وَ (وَطن) !
ـــــــــــــــــــــــــــــ

*)خَرَّنگعيًَة ـ لفظة عراقية ـ مفردها "خَرنگعي" ...
ـ مُستمدّة مِن تلفظ عِبارة ـ « خرَّه نَگاع إنتي» .. كما كان يَلفظها "المغولي" كأعجمي .. حِينما ينادي بِها ـ "الخونة والعملاء" الذّينَ تعاونوا معهم وَيَستخدمُونَّهِم في تنظيف "مراحيضهم" في المُعسكرات، فإعتادوا علىٰ مناداتُهم ـ « تَئالِي ـ خرَّه نگاع إنتي» .. « رُوهِي ـ خرَّه نگاع إنتي» ! فَتَحولّت في لفظ العراقيين الىٰ "خَرنگعي وَ خَرَّنگعيًَة" ـ لوصف الذين تعاونوا مع علوج "المغول" .. لِيهينُّوا بِها الخَونّة والعُملاء !

تعليقات

أحدث أقدم