خاطرة تسحب أختها نحب من، ونكره من ...؟

مشاهدات

د. ضرغام الدباغ


قبل يوم أو يومين نشرت خاطرة عن تعرفي على العميد الركن هاشم عبد الجبار، وتقديمي خدمة له بأسم الواجب وبحق المواطنة العراقية السامية، أعلم أن البعض لا يشتريها بفلس واحد، ولكني أعرف آخرين يستحقون الاحترام يموتون من أجلها بطيبة خاطر ودون تردد. المواطن حين يطلب منك خدمة لا يتوسلها، ولا يرجوها رجاء، بل يطلبها بكبرياء وكرامة، لأنك لأجله تحتل هذا المنصب، وتقبض راتبك لتعيش بكرامة في وطنك لأنك لست ضيفا في هذه الديار المقدسة ...! أعلم أن البعض للأسف لا يريد أن يتخلى عن ذكريات مضى عليها أكثر من 66 عام، وربما لم يكن هو قد ولد حينها، أنا شخصيا عشتها، وكنت في المعسكر القومي، والمرحوم هاشم عبد الجبار في المعسكر الوطني، وكلانا اليوم فعلاً أم رمزاً في خندق واحد، ولا ينبغي أن نفتح النار على بعضنا، ليسعد ويهنأ بذلك عدو وطننا، وأنا بلغت هذا الوعي لأنني أريد تحرير العراق، وأول حلفائي هم أطراف المعسكر الوطني، الذي نحن وأطرافه ملتحمون في الفرن / الوطن ..!

سأروي لكم خاطرة تقرب للأذهان الموقف الصحيح ...
في مطلع السبعينات كنت أشغل منصباً في سوريا، واخبرني مدير مكتبي أن رفاق عراقيون غاضبون يريدون مقابلتي، فأذنت لهم، وإذا بهم مجموعة من 4 أو 6 رفاق في قمة الغضب، يخبروني بأنهم شاهدوا صباح مرزا (وكان مرافقاً للرئيس صدام حسين) موجود في المقهى / المطعم الفلاني في ضاحية دمشق، وأنهم يطلبون الذهاب إليه وقتله. وترددت للحظات، كنت أواجه غضبهم وثورتهم، وكان عدد الذين اغتيلوا أو قتلوا أو أعدموا، يفوق العشرة أو العشرين من رفاقنا وهؤلاء الرفاق اليوم يعتقدون أنهم يأخذون بثأر رفاقهم ..! لا أدري كم دقيقة أستغرق تفكيري، والقرار الذي سأصدره يعني مقتل إنسان أمام اطفاله وزوجته، كان صديق يجلس في مكتبي سمع ما يدور، وأدرك حرج موقفي والقرار، فاقترب مني وقال لي بصوت سمعه الرفاق الغاضبون" الأخ ابو فراس ... رجاء أسمح لي، إذا كنتم يا أخوان تريدون قتل مرافق صدام، فماذا ستفعلون بموشي ديان، وشارون وجواسيس وخونة ... هذا الإنسان الذي جاء مع اطفاله وزوجته يريد قضاء أيام .. تعيدونه للعراق في تابوت ...؟ يا أخوان هذا موقف مبالغ به، ولا تستسلموا للغضب .. فكروا وتأملوا ... أنا لم أكن لأصدر قرارا بقتل رجل أمام عائلته ، وهذا خطأ كبير يجب ألا أقترفه، وجاءت نصيحة الصديق كرشة مادة منبهة في الانف ليستفيق المرء بها ... فاصدرت أمري بأن يتخلوا عن السلاح، ويتخلوا عن الفكرة المجنونة، نحن لنطرح الأمثلة الإيجابية وليست السلبية، وهذه غلطة فادحة لا يمكن إصلاحها. وتأكدت من مدير مكتبي أن الشباب تخلوا عن فكرتهم. في مطلع السبعينات (ربما 1972 / 1973) أتصل بي بمكتبي في دمشق، مسؤول في قمة الدولة، وأخبرني أنه يدعوني لشرب قهوة، فأدركت أن هناك قصة كبيرة . فإذا به بعد تناولنا القهوة فعلاً، يقول لي أنه طرق سمعه، أن هناك رفاق عراقيين قد عقدوا النية على أغتيال الشخصية السياسية العراقية (...) خلال زيارته الرسمية لدمشق، وطلب مني برجاء أن أحول دون هذا الأمر، فهذا خطأ كبير ولا ينبغي أن يتحقق أبداً، فوافقته على رأيه ووعدته أن أحول دون الأمر.

أعلم أن بعض الأخوة لا يقبلون مني هذا الكلام، ولكنني سأبقى حتى آخر يوم من عمري أسعى وأجتهد لتكون مواقفنا صحيحة لا نندم عليها فيما بعد، نعم نحن نقاتل للدفاع عن العراق والأمة، وقد فعلنا ذلك ونتحمل كل ما ينجم عن هذا الموقف من نتائج، وبالفعل تحملنا نتائج خطيرة، ولكني لن أقتل شخصا عراقياً بسبب اختلافي معه في الرؤية. أعلم أن كثيرون غيري يمارسون هذا .. نعم، فليمارسوه، ولكن بدوني ..أنا لا أفعل ذلك، الموت فقط للعدو، وللمحتل، للخونة والجواسيس. سيقول لي أحدهم :

ألم تقع انت ضحية لقرارات جائرة ..؟

نعم .. حصل هذا .. وكان خطأ من أرتكبه، وأنا لا أعيد أرتكاب نفس الخطأ وأحاول جهدي ألا أخطأ في المستقبل ..

أعزائي القراء .. أرجو منكم أن تتفهموا قولي وتقبلوه ..لا يمكن أبداً أن أحقد على عراقي مخلص للعراق ... أبداً ... فهذا مخالف للموقف الوطني وخطأ لا يغتفر ولا يمكن إصلاحه .... إذا أحببنا العراق حباً عميقاً ... فسوف نحب تلقاءيا كل عراقي يحب العراق .. أما الخلاف السياسي، فهذه قصة تحتمل إعادة النظر اليوم، أو غداً، أو في المستقبل ....!

تعليقات

أحدث أقدم