صراع الزمر وجوع الشعب في وسائل إعلام الحکومية

مشاهدات



ترسم وسائل الإعلام الحكومية في إيران، الصادرة يوم السبت 25 أكتوبر، صورة لنظام يتآكل من الداخل بوتيرة متسارعة. لم تعد الأزمة مجرد تكهنات للمعارضة، بل أصبحت اعترافات صريحة تُنشر على الصفحات الأولى، كاشفةً عن مشهدين متوازيين يرسمان ملامح النهاية : صراع محموم ووحشي في قمة هرم السلطة، وانهيار اقتصادي كارثي يطحن المواطنين في الأسفل ويحول حياتهم إلى جحيم. إنها شهادة دامغة من داخل النظام على أن سفينة الحكم تغرق ببطء تحت وطأة تناقضاتها الداخلية وبركان الغضب الشعبي الذي يغلي تحت السطح . 


تصاعد الصراعات الداخلية في إيران حول التعيينات الوزارية يكشف عن انقسامات عميقة 

يستمر الصراع الداخلي على السلطة داخل النظام الإيراني في التصاعد، مما يكشف عن الانقسامات العميقة بين الفصائل المختلفة. في 24 أغسطس/آب، حاول مسعود بزشكيان، الرئيس المعين حديثًا للنظام، مرة أخرى إظهار ولائه للولي الفقیة علي خامنئي من خلال اصطحاب حكومته بأكملها لزيارة قبر خميني، الولي الفقیة السابق على الجبهة الأولى، تتصاعد حرب الأجنحة إلى مستوى تكسير العظام. لم يعد الأمر مجرد تنافس سياسي، بل معركة وجودية لتصفية الحسابات. صحيفة “هم‌میهن” تتحدث بوضوح عن هجوم تيار “أنصار التطهير” لإقصاء شخصيات مثل روحاني وظريف، مما يكشف أن آلة الإقصاء التي قضت على أي صوت معتدل لا تزال تعمل بكامل طاقتها لضمان هيمنة التيار الأكثر تطرفًا. بالتوازي مع ذلك، تفضح صحيفة “ابتکار” الفضائح العائلية لقادة أمنيين كبار مثل علي شمخاني ورحيم صفوي، وتعتبرها رمزًا لـ”الهوة السحيقة بين السلطة والشعب”، حيث يعيش أبناء المسؤولين في بذخ بينما يعاني الناس. لكن التحذير الأخطر يأتي من صحيفة “جمهوري إسلامي”، التي تصف “شرخ النخب” بأنه “خطر وجودي يهدد شرعية النظام” برمته، مذكرةً بأن هذا التصدع الداخلي هو ما أسقط أنظمة ديكتاتورية أخرى قبل أن تندلع ثورة الشارع. إنها معركة على غنائم سفينة غارقة، حيث لم يعد الولاء للنظام كافيًا لضمان البقاء. أما على الجبهة الثانية، فالصورة أكثر قتامة ورعبًا: الفقر المدقع الذي تحول إلى كارثة إنسانية. لم تعد الأزمة مجرد أرقام اقتصادية جافة، بل أصبحت واقعًا مأساويًا يلامس أدق تفاصيل حياة الناس. صحيفة “بهارنیوز” تكشف في تقرير صادم أن اليأس المالي وصل بالمواطنين إلى درجة “بيع شواهد القبور بالتقسيط . وفي حين تحاول صحيفة “جوان” التابعة لحرس النظام إنكار الأزمة بشعار دعائي ساخر “لسنا جائعين يا سيادة الرئيس!”، تفضح صحف أخرى الحقيقة المرة. صحيفة “سیاست روز” تعتبر خط الفقر الرسمي الذي أعلنته الحكومة “تبريرًا رسميًا للفقر”، وتكشف عن انخفاض الإنتاج بنسبة 38%. من جانبها، تعترف صحيفة “جهان صنعت” بأن السياسات النيوليبرالية والفساد الريعي قد فاقمت الغضب الاجتماعي.


ما معنى الصراعات الداخلية في البرلمان الإيراني؟

في يوم الثلاثاء، 25 فبراير، خلال جلسة علنية في البرلمان الإيراني، قام المعمم حميد رسائي بخطوة غير مألوفة حيث قام ببث مقطع صوتي لمسعود بزشکیان عبر الميكروفون الرسمي للبرلمان  هذه الأزمة ليست نتيجة سوء إدارة عابر، بل هي نتيجة مباشرة للفساد الهيكلي الذي يرمز إليه الانهيار المالي لـ”بنك آینده”، كما تشير صحيفة “دنیای اقتصاد” التي دقت “ناقوس الخطر في النظام المصرفي”. إنها حلقة جهنمية مفرغة: بينما ينشغل قادة النظام بالصراعات الداخلية وتصفية بعضهم البعض، ينهار الاقتصاد، وتتسع رقعة الفقر، ويتراكم الغضب الشعبي الذي ينتظر فقط لحظة الانفجار. في النهاية، تقدم وسائل إعلام النظام نفسها، عن غير قصد، تشريحًا دقيقًا لآلية انهياره الوشيك. سلطة منقسمة على نفسها فقدت كل شرعية، وشعب مسحوق لم يعد لديه ما يخسره. إنها ليست مجرد أزمات متفرقة، بل هي أعراض لمرض عضال أصاب جسد النظام بالكامل. لم تعد المسألة تتعلق بالإصلاح، بل بالعد التنازلي لانهيار حتمي باتت وسائل الإعلام الحكومية نفسها أول من يؤرخه ويكتب فصوله الأخيرة.

تعليقات

أحدث أقدم