تعلمنا الحياة ! 1-2

مشاهدات




عائشة سلطان


دار بيني وبين صديقة حوار حول عمل روائي مهم للكاتب البرتغالي (خوسيه ساراماجو) وهو كاتب معروف بتوجهاته الفكرية ومواقفه الحادة من الكنيسة ورجال الدين، وقد ظهر ذلك جلياً في أعماله مثل روايته (الإنجيل كما يرويه المسيح) لذلك كان تخوف الصديقة من بعض الأفكار التي يطرحها ساراماجو في روايته وكيفية القفز فوق التجاوزات، وما قد تثيره من علامات استفهام عند البعض! أعلم أننا في الشرق شعوب متدينة ومحافظة، وبلا شك فتلك ميزة خاصة وصفة عظيمة، لكن التدين لا يفترض به أن يكون نقيضاً للوعي والفهم والانفتاح والاجتهاد، هذا أولاً، ثم إن الذي يخاف من فكرة ومن رواية وهو في العام 2025، كيف يمكنه أن يواجه التحديات المذهلة التي تزحف نحونا بشراسة وعلى جميع المستويات ؟ وهذا ثانياً، أما ثالثاً فان القراءة المستمرة والبحث والوعي والاطلاع يفترض أن تجهزنا بأدوات وأسلحة لحماية عقولنا وأفكارنا وأوطاننا ومجتمعاتنا ضد أي اختراقات أو مخاطر، وليس العكس، أي ألا يدخلنا في الخوف والعزلة والهروب.. بل في المواجهة والفهم .

يبتدع البشر في حياتهم اليومية، الكثير من الأفكار والسلوكيات والحوارات التي لو توقفنا عندها جيداً وأنصتنا لها لأصابنا الذعر لجرأتها، ولوجدنا فيها الكثير مما يصطدم بالمقدس الديني والاجتماعي ولكل ما نشأنا عليه من عادات وأعراف، ومع ذلك فالناس تتحدث وتتصرف وتخالف وتتعلم، بينما الحياة تمضي لوجهتها ونحن نتعلم منها ومن الصبر والعمر ومن غيرنا. سأعطي مثالاً ربما مر به كثيرون من الذين سافروا وتنقلوا عبر سنوات أعمارهم، وتعرفوا على الاختلافات ووقفوا أمامها مرتبكين في البداية، لكنهم تجاوزوا الارتباك والحيرة ومضوا في النهاية. كنت في أحد البلدان التي أزورها للمرة الأولى، وكنت ما زلت في عشرينيات العمر، فتاة لم يكتمل فهمي للحياة وللواقع وللناس كما ينبغي، فكنت آخذ كلام الناس وتصرفاتهم على محمل الجد دائماً، والشك والمقارنات بما تعودت عليه، دون أن أخصم منه ذلك الهامش الكبير من الاختلافات التي تفرض نفسها على لغة الناس المحكية في الشارع وتصرفاتهم والمفاهيم المتداولة بينهم وانعكاسها حتى في ملابسهم وأطعمتهم ومشاريبهم، وعلاقاتهم وطقوسهم، وأنها لا شك ستكون مختلفة عما اعتدت عليه وعرفته.

تعليقات

أحدث أقدم