خالد بن الوليد سيف الله المسلول نهر الدم ..

مشاهدات


د. هاني الحديثي


حين غضب سيف الله المسلول:

في سنة 12 هجرية ، على ضفاف نهر (أليس) جنوب العراق ، وقف "خالد بن الوليد" رضي الله عنه منتصرًا بعد معركة طاحنة ضد الفرس. لكن النصر لم يكن نهاية القصة ، بل بداية مشهدٍ نادرٍ في التاريخ ، مشهدٌ إختلط فيه الغضب بالعدل ، والدم بالعبرة. فبعد أن هدأت سيوف المعركة ، أمر "خالد" بجمع العرب الذين قاتلوا في صفوف الفرس ضد جيش المسلمين. لم يكن هؤلاء مجرد خصوم ، بل أبناء جلدته ، من العرب الذين باعوا ولاءهم لأسيادهم الفرس ، ووقفوا في وجه إخوتهم من بني قومهم.

وقف "خالد" أمامهم ، وصوته يجلجل بالغضب :

«ويحكم ، ما أنتم؟ أعرب؟ فما تنقمون من العرب؟ أم عجم ، فما تنقمون من الإنصاف والعدل؟».

لم يكن السؤال مجرد إستنكار ، بل إعلان موقف .. فهؤلاء لم يخونوا جيشًا فحسب ، بل خانوا العروبة ، والعدالة ، والكرامة . ثم أمر "خالد" بإعدامهم جميعًا على ضفاف النهر ، الذي سُمّي بعدها بـ (نهر الدم).

- لماذا فعل ذلك؟
- لأنه كان يعلم أن ولاءهم للفرس سيجعلهم خنجرًا في ظهر المسلمين حين يغادر "خالد" العراق ليفتح بلاد فارس.
- لأنهم قبل المعركة كانوا أشد نشاطا ً في قطع الماء والغذاء عن المسلمين من الجنود الفرس أنفسهم.
- لأن دخول "خالد" إلى العراق كان بطلب من وفد عربي عراقي بقيادة "المثنى الشيباني"، فكيف يخون هؤلاء أبناء قبائلهم الذين استنجدوا بـ "خالد" لتحريرهم؟
- لأنه رأى أن العربي الذي يقاتل معه كان أكثر شدة في مواجهة العربي الخائن من نفس القبيلة.
- لأن هؤلاء لم تحركهم الغيرة على الشرف والعدل ، وفضّلوا الإحـتلال الفارسي الذي أرهق العراق بالضرائب والظلم ، بينما قاتل العرب العراقيون مع "خالد" لتحرير وطنهم.

ثم كانت العبرة ..

لقد أعز الله العراق بعد تحرره ، فأنتقل من ولاية فارسية فقيرة محتقرة ، إلى عاصمة للخلافة الراشدة في عهد الخليفة "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه ، وأصبح لقرون عاصمة للدولة العباسية ، منارة العلم والنور ، ومركز العصر الذهبي .. أما فارس ، فقد أصبحت ولاية تابعة له . "خالد بن الوليد" ليس مجرد قائد ، إنه صاحب فكر ، وبُعد نظر ، وتكتيك عسكري يُدرّس اليوم في أرقى المدارس العسكرية العالمية. لم يكن يكتفي بالإنتصار ، بل كان يقرأ ما وراء المعركة ، ويُحصّن الأمة من الخيانة قبل أن تقع . وسيبقى التاريخ يعيد نفسه ... فمن لا تغار نفسه على الحق ، لا يُنتظر منه خير .

تعليقات

أحدث أقدم