أما أهم العلاقات الإنسانية وأكثرها سمواً وثباتاً، فهي علاقات الصداقة الحقيقية، الواعية والناضجة، إن الصداقة من واقع التجارب والعلاقات التي نعيشها ونشهدها يمكن في أحيان كثيرة أن تصمد وتبقى وتصدق فيها العبارة الأكثر رومانسية (أصدقاء إلى الأبد)؛ لأن في الصداقة تجرد كامل من الأهواء والحسابات والاعتبارات، الصداقة الحقيقية غالباً ما تبنى على تجربة عميقة في الزمن وثبات في المكان، حتى أننا نسمي بعض صداقاتنا بـ(صداقات العمر التاريخية) ، أو (صداقات العمر الجميل)؛ لأنها غالباً ما تكون قد تأسست أو بدأت في عمر المراهقة أو الشباب الغض، ومرت بالكثير من المحطات والمواقف وصقلت جيداً حتى باتت تلمع كالماس وثمينة جداً كجوهر كريم.
قالت إحدى الممثلات تصف صديقاً وقف إلى جانبها في أصعب الظروف، وساندها بكل رجولة وتجرد: «لقد كان هناك لأجلي، عندما عشت تجربة انفصال مربكة وبائسة، وقف إلى جانبي بكل تفهم عندما لم أستطع حتى فهم ما أشعر به». «كان يتحدث معي حتى تشرق الشمس، ولم يتصرف مرة واحدة وكأن لديه موعداً أو شخصاً ينتظره أو مكاناً آخر لا بد أن يذهب إليه». وكأن الصديق في لحظة الاحتياج إليه لا بد أن يشعرنا بأننا نحن فقط الموجودون في محيط اهتمامه في تلك اللحظات. وهذا المستوى من التضحية والفهم والثقة نادر جداً، وهو بالفعل ما يصنع بناء الصداقة المتين وكلا الصديقين يعرف ذلك، لذلك يبقى الأصدقاء الحقيقيون موجودين في حياة بعضهم البعض (لا نتحدث عن التلازم اللصيق)، ولكن عن التواجد وقت الضرورة، حتى عندما تسحبهم الظروف والحياة المهنية في اتجاهات مختلفة، حيث يتمكنان من انتشال نفسيهما بمنتهى الأريحية وفي أية لحظة ليقفا إلى جانب بعضهما!
إرسال تعليق