إيران الحرة 2025 في بروكسل: عندما يتحول الغضب إلى مشروع بديل

مشاهدات

 


د. عاصم عبد الرحمن


لم يكن السادس من أيلول يومًا عابرًا في بروكسل. فساحة الأتوميوم الشهيرة تحولت إلى ما يشبه بركانًا سياسيًا، عشرات الآلاف من الإيرانيين وأنصار المقاومة ملأوا المكان بالأعلام والهتافات، في مشهد لم يكن مجرد تظاهرة جماهيرية، بل إعلانًا صريحًا عن بديل منظم يقدّم نفسه للعالم. هذا المشهد الجماهيري الضخم جاء متزامنًا مع الذكرى الستين لتأسيس منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، التي قدّمت عبر تاريخها الطويل أكثر من 120 ألف شهيد في مواجهة ديكتاتوريتين متعاقبتين: الشاه والملالي. وفي قلب هذه المناسبة، برزت السيدة مريم رجوي، رئيسة الجمهورية المنتخبة من المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، لتقدّم خطابًا يمكن وصفه بأنه خارطة طريق للمستقبل. قالت رجوي في افتتاح كلمتها :

"ستون عامًا من النضال بلا يوم واحد ولا ساعة واحدة من التوقف ". هذه الجملة ليست مجرد توصيف لمسار تاريخي، بل تأكيد على أن المقاومة لم تفقد لحظة إيقاعها، رغم الدماء والخسائر. والأهم أن رجوي شددت على أن سر صمود المنظمة يكمن في مبدأين:

الاستقلال السياسي والمالي ورفض السعي للسلطة بحد ذاتها، بل التركيز على "حرية الشعب الإيراني ونقل السيادة إليه".

لكن قيمة الخطاب لا تكمن فقط في استعادة الماضي، بل في تقديم رؤية لمستقبل إيران بعد سقوط النظام . فقد أعادت رجوي التأكيد على خطة النقاط العشر، التي تحولت مع مرور الوقت إلى دستور أخلاقي وسياسي للمقاومة : من الانتخابات الحرة، إلى المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، إلى الحكم الذاتي لكردستان، وحل الأجهزة القمعية وعلى رأسها الحرس الثوري . وأرسلت رجوي رسالة صريحة للغرب:

"إن الحل هو الحل الثالث فقط؛ لا استرضاء ولا حرب، بل تغيير النظام على يد الشعب ومقاومته المنظمة".

هذا الخطاب لم يبقَ معزولًا عن الداخل الإيراني، بل حظي بغطاء دولي غير مسبوق. مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي السابق، حطّم مقولة عدم وجود بديل، مؤكدًا:

"هناك بديل منظم وجاهز تمامًا، وهو المجلس الوطني للمقاومة"، وداعيًا أوروبا إلى فرض عقوبات ساحقة. أما جون بركو، رئيس مجلس العموم البريطاني الأسبق، فرفض محاولات إعادة إنتاج الاستبداد قائلاً :

"لا نريد شاهًا صغيرًا أو أميرًا مهرجًا. البديل الحقيقي هو المجلس الوطني للمقاومة".

من جانبه، انتقد غاي فيرهوفستات، رئيس وزراء بلجيكا الأسبق، تردّد أوروبا، داعيًا إلى تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية وفتح حوار مباشر مع المعارضة. وذهب عضو الكونغرس الأميركي السابق باتريك كينيدي أبعد من ذلك، حين أضفى بعدًا إنسانيًا وتاريخيًا على الحدث، متحدثًا عن حقوق الإنسان كجوهر المعركة، وختم كلمته بالفارسية قائلاً :

"من إيراني هستم"، في لحظة وجدت صدى عاطفيًا عميقًا لدى الحشد.

أما أليخو فيدال-كوادراس، الناجي من محاولة اغتيال مدبرة من النظام، فقد حوّل شهادته إلى رسالة رمزية :

"وجودكم هنا هو استفتاء حي"، مؤكدًا أن نجاته لم تكن سوى دافع لمزيد من الالتزام بالمقاومة.

المشهد إذن لم يكن مجرد مهرجان سياسي. كان إعلانًا واضحًا بأن المعارضة الإيرانية، بدعم جماهيري واسع وغطاء دولي متزايد، أصبحت تمتلك الشرعية السياسية والأخلاقية لتطرح نفسها كبديل.

لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه : هل يلتقط الغرب هذه اللحظة التاريخية؟ فبينما تتآكل شرعية النظام داخليًا بفعل الغضب الشعبي والأزمات الاقتصادية، يجد العالم نفسه أمام خيارين:

إما استمرار سياسة الاسترضاء التي منحت النظام عمرًا إضافيًا،
أو تبنّي خيار ثالث، عنوانه دعم الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة.

إن تجمع "إيران الحرة 2025" في بروكسل لم يكن مجرد استعراض قوة في الخارج، بل كان رسالة للعالم مفادها أن التغيير في إيران لم يعد حلماً بعيدًا، بل مشروعًا سياسيًا متكاملًا، له قاعدته الشعبية وقيادته البديلة ورؤيته المستقبلية.

تعليقات

أحدث أقدم