مقارنة بين الشيعة وأهل السنة في قراءة الحدث … مقتل الحسين مثالاً..

مشاهدات


آسر عباس الحيدري


العاقلُ في اللغة هو ذلك الإنسان الذي يحبسُ نفسَه ويردُّها عن هواها، وسُمي العقلُ عقلًا لأنّه يعقِلُ صاحبَه عن التوّرط في المهازل والمهالك، والعاقلُ ناضجٌ نفسياً، ومن العلامات الدالة على نُضجِه النفسي رزانتُه وثباتُه داخلياً وخارجياً عند المصائب ، أمّا الإنسانُ غيرُ العاقلِ فهو الإنسانُ الذي لايحبسُ نفسَه ويردُّها عن هواها، ولايَعقِلٌ نفسَه عن الوقوعِ في المهالِك والمهازٍلٍ، وهو غيرُ ناضجٍ وغيرُ ثابتٍ نفسياً عند المصائب، هذا هو الفرقُ بين الإنسانِ العاقلِ وبين الإنسان غير العاقل، مناسبةُ هذا التمييز هو مانراه اليومَ من جنونِ وهمجيةِ بعضِ الناسِ غيرِ العاقلةِ في بعض المدن العراقية، وبخاصةٍ في مدينتي كربلاء والنجف المحتلتين فارسياً فيما يسمونه (بيوم عاشوراء أو يوم الأربعين)، من أعمالٍ وأفعالٍ أقلّ مايُقال عنها إنّها أفعالٌ همجيّةٌ وطقوسٌ تُسقطُ الإنسانَ من صفته كإنسانٍ إلى صفةّ أقل بكثير من صفة الحيوان، فالحيوانُ لايفعل بنفسه مايفعله هؤلاء الهمجُ الرعاعُ، فالمؤمن في القضية أيّ قضيةٍ كانت، يجب أنْ يكونَ كيّساً فَطِناً عاقلاً، ويتصرّف بحكمةٍ ورويّةٍ مع هذه القضية التي يؤمن بها، وهذا ما لا نراه عند هؤلاء القوم الهمج .

في المقابل نرى عند أهلِ السّنة في (أيام مصائبهم)، مناسبات ومواقف حزينة كثيرة في تاريخهم، وهي فعلاً مناسبات تستحق الحزن والتوقف والبكاء عندها كثيراً، لكنّهم تعاملوا معها بفِطنَةٍ وكياسةٍ وعقلٍ وتهذيبٍ وإحترام،ولهذا نرى أنَّ الدنيا قد دانت لهم وبقناعةٍ شديدة، ووصلت كلمتهم المسموعةُ حتى حدود الصين شرقاّ وإسبانياً والبرتغال وعمق أفريقيا غرباً، والحوادثُ الحزينة هذه عندهم كثيرة، أبرزُها حادثة مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان وماجرى له من حصارٍ وجوعٍ وعطشٍ، وفوق هذا فهو رجلٌ طاعنٌ في السنِّ، وقطعُ يدِ زوجتِه نائلة بنت الفراصفة وهي زوجة أمير المؤمنين وخليفة عموم المسلمين، فهذه الحادثة وحدها تستحق التوقّفَ والبكاء عندها كثيراً، لكنهم أي أهلُ السّنة لم يتوقفوا وواصلوا المسير نحو المستقبل، وكذلك حادثةُ مقتل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وهو ساجدٌ يصلّي صلاة الفجر في محراب مسجد مدينة رسول الله، وهذه كذلك وقفة كبيرة جدا وعظيمة في التأريخ، يجب أنْ يتوقفوا عندها أيضاً لكنّهم لم يتوقفوا وواصلوا السير نحو المستقبل، وكذلك مقتل الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، وكذلك مقتل الحمزة بن عبد المطلب وهو سيد الشهداء كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، و مقتل الصحابي الجليل مصعب بن عمير وهو أولُ سفيرٍ بعثه رسول الله في الإسلام للدعوة للدين الإسلامي في مدينة يثرب، ومقتل العالم الجليل سعيد بن جبير عالم أهل السّنة الكبير، وكذلك مقتل الإمام النسائي ومقتل شيخ الإسلام إبن تيمية وهو مسجونٌ في سجنه، ومقتل الإمام نعيم بن حماد وهو مقيدٌ بالأصفاد وألقي به في حفرة ولم يغسّل ولم يصلَّ عليه، ومقتل الإمام إبن حزم الأندلسي، مات وهو مطاردٌ، وكذلك مقتل الإمام الجليل الإمام الفضيل بن عياض الذي لُقّب بعابد الحرمين والكثير الكثير غيرهم .. كلُّ هؤلاء القادة العظام، وكلُّ هؤلاء العلماء والأئمة الأفذاذ، قُتلوا ومُثِّل بجثثهم، وأمام كلّ واحد منهم وقفةٌ تاريخيّةٌ كبيرةٌ من النواح والعويل والحزن، لو أراد أهلّ السّنة أنْ يفعلوا ذلك، لكنهم لم يفعلوا ولم يزيدوا قولاً على قولِ سوى رحمهم الله برحمته الواسعة وأسكنهم فسيح جناته وإنا على آثارهم لسائرون، وهم سائرون على آثارهم حقاً لأنَّ المحبة الحقَّة هي في الإتّباع وليس في الإبتداع .

تعليقات

أحدث أقدم