عائشة سلطان
لا يزال مفهوم الوطن حالة مربكة بالنسبة للكثيرين الذين لم يكن لهم الوطن في الواقع أو في الذاكرة ذلك المكان الآمن والمعنى الرومانسي الذي تردد في القصائد والأغاني، بل العكس تماماً فقد عاشوا في أوطان أحبوها وأرادوا لحياتهم وحياة أبنائهم أن تبدأ منها وتنتهي فيها . ولكن بكرامة ورخاء وأمن، إلا أنهم ومن خلال ما عاشوه لم تكن حياتهم كريمة يوماً، ولم يتسع الوطن لأحلامهم وأمنياتهم، لم يمنحهم الأمان بل الخوف والحروب والصراعات والمطاردات والمنافي والمعتقلات وضنك العيش وسوء الحال! وفي النهاية ألقت هذه الأوطان بالكثير من أبنائها في وجه المجهول، والغربة والمسافات وبلاد الاغتراب والصقيع .. فماذا سيحمل هؤلاء لهذه الأوطان يا ترى؟ هل نتوقع أن يمقتوا أوطانهم لأنها تخلت عنهم؟ أن ينسوها تماماً ويتخلوا عن كل الصلات الحميمة بها لأجل الأوطان البديلة؟ لأن هذه الأوطان البديلة منحتهم كل ما يحتاجون إليه، وبالذات الكرامة والأمن والأمان ولقمة العيش ومستقبل الأبناء؟
أفكر في ذلك وأنا أسمع حكاية المرأة التي حين منحت جنسية الدولة العظمى وكل الامتيازات بكت حين طلب منها أن تقسم يمين الولاء لهذا الوطن البديل؟ بكت حين كان عليها أن تتعهد بالتضحية لأجله ولأجل ترابه وشعبه وأمنه ومصالحه؟ لماذا بكت؟ هل لأنها تذكرت أو تساءلت أنها ربما تقف بذلك ضد وطنها الأصلي؟ مسقط رأسها؟ وتراب قبور أجدادها؟ ومرجع هويتها ولسانها وتاريخها وعقيدتها وعاداتها وذكرياتها؟ فهل يمكن للإنسان أن يقسم تحت أي سبب يمين ولاء ليس لوطنه فيكون بذلك ضد ذاته؟ أم إن الأمر ليس ليس كذلك؟ هل تلك رومانسية مبالغة أم حقيقة عملية براغماتية ؟ نحن مجبولون من تراب، والتراب يعود لأصله، لمنبته ومنبعه، ولذلك انظر كيف يرغب الإنسان طيلة حياته في الأمان والكرامة والعمل والوظيفة والمسكن الأنيق و... ولذلك يهجر وطنه ويستبدله بأوطان بديلة، لكنه إذا كبر، وانتهى زمن الرغبات، وجاء وقت الاحتياج عاد سريعاً متلهفاً إلى وطنه، يريد أن ينتهي هناك، أن يكمل أيامه فيه ولا يهم كيف، الحاجة تختلف الآن عن رغبات الشباب، الحاجة لتراب الوطن، لذلك نكون منه وننتهي إليه!
إرسال تعليق