أ.د سامي المظفر
في سابقة مؤلمة، أقدمت هيئة التقاعد الوطنية على تأخير دفع الاستحقاقات التقاعدية دون بيان واضح أو مبرر قانوني معلن. ولعل هذا يُعدّ اعتداءً صارخًا على حق من الحقوق الأساسية للمواطن، ذلك أن التقاعد ليس منّة من أحد، بل هو استحقاق قانوني، وجزء من منظومة الضمان الاجتماعي، وركيزة من ركائز العدالة الاقتصادية.
يعاني المتقاعدون في العراق من سلسلة طويلة من التعقيدات والتحديات في سبيل الحصول على حقوقهم، ابتداءً من الاجتهادات الحسابية المتضاربة في احتساب المستحقات التقاعدية، مرورًا بالحجب المزاجي لمكافأة نهاية الخدمة، وليس انتهاءً بالتحديثات المتكررة والمتخبطة التي تفرضها الحكومة ودوائر هيئة التقاعد، والتي تُفسّر القوانين على نحو ارتجالي وشخصي، وتؤدي في كثير من الأحيان إلى قطع الرواتب، أو إنقاصها بشكل مفاجئ وظالم . إن التهديد المستمر الذي يتعرض له المتقاعد، من قِبل هيئة التقاعد الوطنية، وبغطاء حكومي، وبصيغ إجرائية متخبطة، هو تجسيد صارخ للتنكّر لهذا المواطن الذي أفنى عمره في خدمة الوطن. وبدلاً من أن يُكرَّم، يُقسى عليه، وتُشوّه كرامته، ويُخضع لتعسف بيروقراطي هدفه في كثير من الأحيان إشباع النزعات السلطوية والاستحواذية لبعض الموظفين والدوائر، الذين يستمدون سطوتهم من غياب الرقابة الفعلية ومن ضعف التفسير القانوني العادل. لقد أسهم هذا السلوك في تمزيق النسيج الاجتماعي، وإشاعة مشاعر الكراهية والتعصب، ونشر ثقافة الاستحواذ بدلاً من ثقافة الإنصاف. فحين تتحول القوانين إلى أدوات للقهر، ويُلقّن الموظف أفكارًا مغلوطة لتبرير الحيف، فإننا نكون قد دخلنا في دوامة نكبات دائمة أدمت قلوب الغالبية الساحقة من متقاعدي العراق.
المتقاعد ليس عالة على الدولة. هو مواطن شريف، خدم في مؤسساتها، وحمل همومها، ودافع عن كيانها، وأسهم في وحدتها. لذا، فإن التعامل معه باستهانة أو ازدراء، تحت ذرائع مالية أو سياسية، يمثل انتكاسة أخلاقية مضاعفة، ويشكّل إخلالًا صارخًا بمبدأ العدالة الاجتماعية. إن الحاضن الأساسي للمتقاعد يجب أن تكون الدولة، والحكومة هي المسؤولة الأولى عن حماية هذا الحق وصيانته. غياب هذا الدور أو تغييبه، هو تقويض لمنظومة القيم، وتفريط بهيبة القانون، وتنصّل عن مبدأ المواطنة المتساوية. فالعدالة ليست شعارًا، بل هي جوهر السلطة ومبرر وجودها، وهي الأساس في إشاعة التسامح والسماحة والاستنارة، وتحفيز الإبداع ورعاية المبدعين. الحكومة، إن كانت حريصة حقًا على كرامة الإنسان، عليها أن تكون أحرص الناس على المتقاعدين . فهؤلاء ليسوا أرقامًا ، بل هم بناة الدولة، ومؤسسو نهضتها. وإن اختارت الحكومة أن ترفع عنهم الأذى، وتسلك طريق الحكمة والمحبة، فإنهم سيبادلونها الوفاء، ويعترفون بفضلها، ويذكرونها بالشجاعة التي تعرف السبيل . أما المتملقون والنفعيون وأصحاب الألسنة المتشدقة، فليس لهم وزن حقيقي . إنهم سقط المتاع، لا يصدّقون أن تربة العراق أنبتت رجالًا ونساءً في العلم والأدب والسياسة أصبحوا اليوم متقاعدين، ينتظرون أن تُحترم كرامتهم، لا أن تُداس. أين الإنصاف؟ أين الإنصاف؟ أين مكافأة نهاية الخدمة؟” في وقتٍ يُفترض أن يُكرَّم فيه مَن أفنوا أعمارهم في خدمة العراق، ويتقاسمون مع الدولة مسؤولية بناء مؤسساتها، يتعرض آلاف المتقاعدين لهضم واضح في حقوقهم التقاعدية، ولقسوة إدارية لا تليق بمَن حملوا عبء الوظيفة والوطن لعقود.. بل وأكثر من ذلك، تُمارس الهيئة، وبغطاء حكومي، سياسة الإذلال الإداري من خلال:
• الحجب المزاجي لمكافأة نهاية الخدمة .
• الحسابات العشوائية والمتناقضة للرواتب.
• التحديثات المتكررة التي تُربك المتقاعد وتحرمه من حقه.
• التفسيرات الشخصية والاجتهادات غير القانونية للقوانين.
• التهديد الصريح أو الضمني بقطع الرواتب أو تأخيرها.
نقولها بصوت واحد:
أين الإنصاف؟
أين العدالة؟
أين مكافأة نهاية الخدمة؟
المتقاعد ليس رقماً… إنه ذاكرة وطن
المتقاعد هو الذي خدم الدولة في أحلك الظروف، وواجه الفساد والتراجع والانهيار، وظلَّ ثابتاً في أداء واجبه. واليوم، حين يحين وقت الوفاء له، يُقابل بالإهمال والتجاهل والقرارات المتخبطة! هذه ليست مجرد تجاوزات إدارية، بل نكسة أخلاقية وطنية تضرب روح المواطنة، وتُهدّد السلم الاجتماعي، وتُعزز الإقصاء والتمييز ضد فئة ينبغي تكريمها لا إذلالها.
كفى!
ندعو الحكومة العراقية وهيئة التقاعد الوطنية إلى:
1. إطلاق رواتب المتقاعدين المتأخرة فورًا، وبدون تأخير.
2. صرف مكافأة نهاية الخدمة لجميع المستحقين، بلا اجتهادات أو مزاجية.
3. إعادة النظر في آلية احتساب الرواتب التقاعدية، وتوحيدها بشكل عادل وشفاف.
4. احترام كرامة المتقاعد، وتجنيبه دوامة التحديثات والتعقيدات الروتينية.
5. فتح باب التحقيق في أسباب هذا التقصير المتكرر، ومحاسبة المسؤولين عنه.
هذه ليست مطالب… هذه حقوق!

إرسال تعليق