حسين محمد الساير
شهادة احد المقاتلين بحق سلطان القوات الخاصة والحرس الجمهوري ، المرحوم اللواء ق.خ الركن حمد الحمود . علم بارز وسيرة ذاتية مشرفة
لي الشرف الكبير ياسادتي الكرام ان اسطر هذه الكلمات بحق هذا الرجل كونه آمر لواءنا وفضله كبير علينا في بداية التشكيل الاول للواء القوات الخاصة الثالث مطلع ثمانينيات القرن الماضي وكان هو اول من انيطت به المهمة الصعبة بتشكيل وقيادة لواء قوات خاصة حديث العهد في الحرس الجمهوري وهي مهمة ليست سهلة عطفاً على سمعة الحرس الجمهوري المتميزة , حيث ان الرجل قد غادرنا الى رحمة الباري وفسيح جناته فوجب علينا استذكاره الآن ومواساة افراد عائلته بهذا المصاب الجلل وخسارة الجيش العراقي الفادحة برحيل هذا القائد البطل .
بزغ نجم اللواء ق.خ الركن حمد الحمود وشهرته التي عبرت الآفاق وتخطت الميادين بعد المعركة التي خاضها مع تشكيل جحفل لواء القوات الخاصة الثالث / الحرس الجمهوري وسطر فيها ملحمة بطولية دونتها الصفحات باحرف من نور وهي الملحمة التي رفعت من مكانة اللواء وآمره وضباطه ومقاتليه في صفوف المؤسسة العسكرية عالياً والى حدٍ بعيد , " معركة صد العدوان الإيراني على رواقم المنطقة الجبلية في سيف سعد والهجوم على حزام المخافر الحدودية العراقية " منتصف اكتوبر/تشرين الأول عام 1984م , لن اتحدث يا اخواني عن كل المعارك والمفاخر التي جسدها حمد الحمود " قيادةً وإدارةً وقتالاً " فهي تحتاج الى مجلدات واكثر لكني ساروي لكم حكاية قيادته اللواء في هذه المعركة وكما يلي :
- بعد تكامل افواج اللواء وسراياه وصدور أمر الحركات والتصاوير الجوية وصلنا الى منطقة خط الشروع الاول في المعركة التي رمى بها الجيش الإيراني وحرسه الثوري بكامل ثقله من حيث المعدات والاسلحة وعملية التموضع المحصن على قمم وسفوح الراقم الجبلي الاول والثاني املاً في تحقيق حلم مريض حيث تراءى لهم ان دخول بغداد عن طريق القاطع الاوسط ومحافظة ديالى بعد عبور خانقين ومندلي وقزانية سيكون اسهل بكثير من التقدم من محاور اخرى , وكانت عملية استمكانهم للقطعات العراقية تتم بشكل متواز لان طبيعية الارض وتضاريسها فرضت هذا الواقع الذي لامفر منه بالنسبة لتشكيلات الجيش العراقي حيث تمكن العدو من احتلال موطيء قدم له بعد تدمير المخافر الحدودية الثلاثة , عندما نزلنا من العجلات بحدود الساعة الرابعة عصراً من يوم 17٧ تشرين الأول/اكتوبر 1984م كان الجو مشبعاً برائحة البارود والقصف الشديد وشظايا الانفلاق , وكان العقيد الركن حمد الحمود يقف على حافة مرتفع صخري عند الساتر الخلفي وقد اشار الى آمري الوحدات بضرورة تجمعنا خلف السن الصخري الممتد قريباً .
اتذكر كلماته التي لازالت ترن الى ألآن في الاسماع والاجواء وكانها صدى حلم ( حياكم الله قواكم الله اخواني , ولدي , ماريد اطول عليكم بس راح اكول الكم شيء واحد , اني البارحة " زامطت " بيكم امام القيادة العامة وقلت لهم لو اني حمد الحمود امر اللواء الثالث واطلع رؤوس الشر الإيرانية من مرتفعات سيف سعد لو بعد ما ابقى لا بالحرس الجمهوري ولا بالقوات الخاصة ...فانتم هساع شتكولون ؟ )
فرد الجميع بصوت واحد اهتزت له الارض اهتزازاً وبلغ صداه الوديان ( عد عيناك سيدي وياك للموت ) , بعد هذه الكلمات صاح بنا مرة اخرى ( اللواء الثالث , حديد , ) فرد الجميع بصوت اقوى بكثير من المرة الاولى ( حديد سيدي ) , فرد بصوته الجهوري ( يا لله توكلوا على الله ) واخذ بندقية من نوع " فاز" من احد افراد حمايته ونزل من المرتفع بسرعة كبيرة وركض امامنا بكل تحدي واتذكر ان الضباط والآمرين كانوا يركضون خلفه بسرعة وكان محاطاً بفصيل استطلاع اللواء وحضيرة الاستخبارات ومن الضباط الذين كانوا قريبين عليه في تلك اللحظة اتذكر الشهيد العقيد الركن سعد صالح عبد القادر ( آمر الفوج الثالث ) والعقيد الركن عبد الهادي ( آمر الفوج الثاني ) والنقيب بهجت عبد الرحمن ( آمر فصيل الإستطلاع ) والمقدم الركن نجرس خلف صالح اسود ( ضابط استخبارات اللواء ) ..وكنا نركض خلفهم باسلحتنا وتجهيزاتنا الكاملة تحت وابل من القصف المدفعي الشديد و الهاونات 81 ملم وغيرها لمسافة 4 كم حتى الوصول لمدخل الوادي المتعرج بصخوره الفولاذية وممراته المتعرجة . إستمر الاشتباك مع الايرانيين طيلة الليل بمختلف الاسلحة الخفيفة والمتوسطة وراجمات الصواريخ , وكانت مدفعيتنا قد امنت تقدم قطعاتنا بشكل كبير وقصف مركز حتى انبلاج الفجر. مع قوة المعركة وشراسة قناصيها فقدنا عدد من الشهداء اتذكر منهم اخي وصديقي ( المقاتل النائب ضابط خالد كامل من اهالي سامراء) رحمه الله ,, كان شجاعا الى الحد الذي كان يتحدى فيه رصاص الاوغاد وقذائفهم , وفي اشتباك الزحف المميت بالرمانات الهجومية صعوداً على الراقم الاول ومواضعه المحصنة عند فجر اليوم الثاني الذي نفذته مجموعة فدائية من رجال الفوج الثالث وفصيل استطلاع اللواء وكان خالد كامل من بينهم اثبت رجال اللواء الثالث قدرتهم الفائقة وتحديهم للمستحيل وكان شعارهم النصر او الشهادة ... ولا اطيل عليكم بالتفاصيل كان اللواء الركن حمد معنا من موضع لموضع ومن فوج لفوج ومن سرية لاخرى وعند اصابتي بجروح بشظايا عند شروق الشمس كان هذا القائد الهمام يمسك بيدي ويضمد جراحي ويوجهني
" ابني اصابتك قويه ؟ "
قلت له سيدي بسيطة وفدوه الك ولجماعتي
وكان معه النقيب محمود عمر علاوي اللهيبي رحمه الله بواسع الجنان آمر سريتي الثانية - الفوج الثالث , وبقي الاشتباك مستمرا حتى منتصف نهار الثامن عشر من تشرين الاول وفي هذا الوقت تحديداً زفت البشرى للعراقيين عن طريق بيان القيادة العامة للقوات المسلحة بعد ظهر ذلك اليوم بتحرير الرواقم الجبلية الثلاثة وعقدة سيف سعد وتطهيرها تماما من الايرانيين بكفاح وصبر وبطولة تشكيل لواء القوات الخاصة الثالث " امراً وضباطاً ومقاتلين " , وهكذا اوفى حمد الحمود عبود الكراعي بوعده الذي قطعه للقيادة العامة والشعب العراقي وصان الأمانة وحفظ الوديعة ومعيته من مقاتلي وضباط اللواء وحافظ عليهم بحدقات عينيه حتى آخر يوم له في اللواء وسلم الأمانة لخلفه العقيد الركن عبد اللطيف محمد سعيد الذي استمر بنفس النهج الذي إختطه اللواء الركن حمد عن كيفية إدارة جحفل لواء ق خ الثالث حرس جمهوري , ليتحول اللواء في ظرف اقل من ثلاث سنوات الى تشكيل قتالي فعال نموذجي بكل شيء اذا ما تعلق الامر بالمعارك الصعبة والمريرة التي خاضها هذا التشكيل الفدائي واثبت فيها علو كعبه وخبرة ضباطه في المواجهات , امثال معركة تاج المعارك اذار 1985 مناصفة مع اللواء المدرع العاشر حرس جمهوري , وكذلك هجوم جبل رومي عام 1987 ومعركة جبل ماوت او جبل الموت بسلسلة جبال قره داغ بنفس العام التي سطرت فيها وحدات اللواء فصولا مهمة من تضحيات العراقيبن دفاعا عن ارضهم ورد كيد المعتدي وهي معركة اصبحت تدرس في الجامعات العسكرية كفصل قتالي مشرف في تأريخ الجيش العراقي باعتبارها اصعب معركة جبلية خلال آخر اربعين عاما وكذلك ( عملية اجتياح مدينة الكويت ) التي كان فيها اللواء الثالث رأس الحربة في مسير القطعات ومحاور التقدم من خلال عملية الانزال الجوي الاستثنائية بتطبيق مفرداتها الفريدة بمعطياتها ونتائجها بالمظلات في صحراء المطلاع غرب الكويت العاصمة , وهذا ماكان حمد الحمود يعمل عليه في الكثير من المعارك ومع جنوده وضباطه يكون حاضراً بكل الاوقات , وكان من بين القادة القلائل اصحاب العقلية العسكرية الفذة الذين تم تكريمهم تكريما خاصاً بالاوسمة والانواط كان ابرزها لقب بطل القادسية .
نم قرير العين ياسيدي ..يامعدن الاصالة واصل الشجاعة وسليل الطيبين ,هكذا كان حمد الحمود وهذا غيض من فيض في مسيرته الخالدة التي ترفع الراس وتفتخر بها الاجيال . رحم الله اللواء ق.خ الركن حمد الحمود عبود الكراعي وأسكنه فسيح جناته , مع خالص أيات العزاء والحزن والفقدان لاهله وذويه .




إرسال تعليق