العبر في سورة الانشراح

مشاهدات


د. ضرغام الدباغ


أقرأ وأشاهد كثيرا، رجال ونساء من مختلف أرجاء العالم ، يقرون جميعاً بحقيقة كبيرة، أنهم يتأثرون جداً، وغالبا لدرجة أنهم يمسحون دموعهم لدى سماعهم تلاوة للقرآن الكريم، أو في سماع الآذان ... بل ودفع بعضهم لإشهار إسلامه. رغم أنهم لا يفهمون معاني الكلمات ...! وعدا الآراء التي نشاهدها ونسمعها في كليبات اليوتيب، قرأنا مداخلة مهمة جداً للعالمة / المستشرقة الألمانية الكبيرة آنا ماريا زيشل ترجمتها بنفسي للعربية ، تبدي دهشتها الفائقة من هذه الناحية، وتقول أنها شاهدت مراراً أناس يبكون لدى سماعهم القرآن في مختلف القارات. إنها رهبة كلام الله .. وليس هناك تفسير آخر ..!

بالطبع قرأت القرآن مرات عديدة بهدف الدراسة والتمعن ، والاستنباط، وإذ لا يمكننا القول بأن أي الآيات والسور هي الأكثر تأثيراً، فجميعها مؤثرة، تترك في النفس صدى وتأثيراً، ولكني، أقرأ دائماً سورة الانشراح ، ولا سيما حين أكون مهموماً أو حين أعاني من حزن، وأنا بطبعي لست ممن يصابون باليأس، فإني أعتقد أن هناك بعد كل ضيق فرج، وقد مررت بأيام كثيرة لا أعول أن أعيش 24 ساعة، وأحيانا يتواصل الضيق أشهرا وسنوات ... ويكبر الهم ويتسع لهب الضيق، ولكن الفرج حين يأتي، بطعم العسل مع القيمر والكاهي ... وقد تذوقت مرارة الحنضل، أو ما هو أمر منه، ولكن بالصبر والصمود تذوقت هذا العسل ..

أصدقائي وصديقاتي من القراء ... إقرأوا سورة الأنشراح ... الظفر والفوز لا يأتي إلا للصابرين .. لأن غير الصابرين سوف ينهارون ويتهاوون وينتهون ... والصابرين الصامدين سيأتيهم الفوز بطعم العسل .. كلما ضاق صدرك إقرأ

بسم الله الرحمن الرحيم
أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ (1) وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ

" ثق ألم نشرح لك صدرك ....قرأت القرآن مراراً بقصد الدراسة والاستنباط، وبالطبع لا يمكننا تفضيل سورة أو آية على أخرى، ولكنك أحياناً تجد في سورة أو آية معينة، صداها في نفسك ... وتشعر أنها موجهة لك بالذات والتحديد، فتقف.... تفكر ... تتأمل، ثم تواصل مسيرك، وقد يسألك من معك، عما ألم بك ... فتسكت ... وتجيبه... واصل المسير فحسب ...! يصادف كثيراً أني أكون سائراً لوحدي في برلين، شوارع لندن، أو باريس، أو الولايات المتحدة، أتفرس بالأشياء التي أشاهدها، وأفكر في كنهة الأشياء، أو أحدث أصدقاء لي ... أو أنني أتناول طعاماً لذيذاً في مطعم راق، أو أجد نفسي سعيداً ... وفجأة تهبط على بدون سابق إنذار، كستارة مخملية ناعمة فتغمرني من قمة رأسي وحتى أخمص قدمي ... تهبط علي كرذاذ ماء بارد منعش ... فأستفيق من متعتي العيانية أو المذاقية ...

بسم الله الرحمن الرحيم :

أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ (1) وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ (2) ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ (3) وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا (5) إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا (6) فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ (7) وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرۡغَب (8)".

مرات كثيرة جداً قرأت هذه السورة ... ومرات كثيرة فكرت بها وتأملت، الله سبحانه يخاطب الرسول الكريم (ص) ويهون عليه الصعاب والمخاطر، فيناجيه ... ألم نشرح لك صدرك ..! ويذكره ألم ننجك من مهالك ومصاعب .. كانت ترهقك وتقض مضجعك ... ألم نرفع لك شأنك وذكرك وجعلناك شيئاً تذكره الناس إلى أبد الآبدين ...! فأبشر أن مع العسر يسراً ... ويؤكدها سبحانه مرة أخرى لتسكن السكينة قلبك .. إن مع العسر يسراً .... أذكر ربك ..

تهبط علي فتشيع في روحي السكينة ... فأدرك أن كل هم سيزول ... كل كارثة محدقة سترحل ... ألم تمر علي ساعات، كان شروق الفجر علي وأنا حي أرزق أشبه بالمستحيل ... مرات عديدة صرت على مقربة خطوات فقط من الموت الفاغر فاه ليلتهمني ... مرتين أو ثلاثة كتبت فيها وصيتي ... ولم أستشهد ... مرة كادوا فيها أن يقيموا الفاتحة على روحي ... مرات عديدة كان العوز والفاقة تحاصرني لدرجة عدم الشبع ... أسير كيلومترات كثيرة على قدمي لأني لا أملك أجرة الطريق ... واجهت فعلاً أيام سوداء لا يبدو فيها نهاية النفق من خلالها ... هو درب أنا اخترته ... بل وفخور به ... ولكن ... أين كل ذلك الآن أين أنت من تلك العذابات ... ها أنت الآن تجلس في مقهى فوكيه في الشانزليزيه ... ها أنا الآن في أماكن أخرى بعيدة عن وطنك الحبيب ... وأنت ما تزال تواجه أقدارك الصعبة ... طب نفساً .. هون عليك ...

ألم نشرح لك صدرك ... بلى والله ... انشرح صدري، ووضع عني وزري الذي أوجع ظهري ... فصبرت وكان مع الصبر زوال العسر ....تغمد الله شهدائنا وأخوتنا وأهلنا وأصدقائنا بوافر رحمته . الحمد لله رب العالمين ... على هذا الحال وعلى كل حال ... سيشرح الله لك صدرك ويضع عنك وزرك الذي ينقض ظهرك .. إقرأ هذه الآية .... وكلما كان الوزر ثقيلاً متعباً، ستجد طعم العسل ألذ بعد التعب والصبر ...

تعليقات

أحدث أقدم