مشاهدات
نازنين الجاف
كانت حياتنا مثالية رغم بساطتها وبدأ سليم يعلمنا كل صباح كيفية الدفاع عن النفس والصيد وحماية قريتنا الصغيرة المتكونة من ثلاثة بيوت فقد اصبح لديه واحدا ايضا استخدم كل مهاراته لبناءه . كأنه شيء من الخيال . بل يفوقه جمالا وبساطة . في الصباح الباكر كعادتي كنت ارسم خطا على الجدار حتى صاروا ( 365 ) لاوثق عدد الايام . خرجت اليهم وهنئتهم بمرور عام كامل على حياتنا معا ثم قررنا ان نحتفل بهذه المناسبة وكنا حذرين من الأشخاص الجدد الذي وصلوا الجزيرة . جمعنا الخضروات وجهزنا المكان لحفلة الليلة وعندما أتى الضيوف تبين انهم كانوا لطفاء جدا عكس توقعاتنا . طلبوا المساعدة لان سفينتهم كان فيها عطب في المحرك فاضطروا للبقاء معنا لحين إصلاحها فرحبنا بهم ثم عرضنا عليهم الانضمام الينا واستغربوا جدا لكيفية معيشتنا وكيف صنعنا المعجزات بادواتنا البدائية في الزراعة والحراثة والبناء بهذه المهارة وتربية الحيوانات وتجهيز الحضائر وكيف تأقلمنا في هذا المكان ثم ذهبنا أنا وسليم معهم في نزهة بينما كان البقية مشغولين بتحضير الطعام .
مشينا قليلا حتى مررنا بالكهف . انتبهوا الى بريقا في داخله كان يتلألأ من الاحجار الكريمة لكني منعتهم من الدخول خشية ان يطمعوا في الجواهر التي كنا نجمعها ووجهت انتباههم الى النوارس التي كانت تجوب السماء ومشينا على الأرض التي كانت مثل البساط الاخضر . وأشجار الموز تتمايل على حافتها من جهة البحر وجميع أصناف الفواكه موجودة . اعجبوا كثيرا بطريقة سقي المزروعات والاهتمام بخلايا النحل ثم عدنا أدراجنا لنساعد في تحضير الطعام وكل واحد منا كان يعرف عمله . سليم ورجب مع بقية الرجال الذي كان عددهم يفوق العشرين صنعوا طاولة كبيرة من الأحجار وكراسي الخشب ونحن قمنا بتجهيز مأدبة شهية من الأسماك والطيور والبيض المقلي والعسل والحليب واحتفلنا بهذا اليوم على شرف ضيوفنا الجدد . وبينما كنا جالسين مشغولين فإذا باثنين منهم يتهامسون فيما بينهم وينظرون إلى الكهف . بدأ يراودني الشك وخشيت انهم يخططون لشيء ما ثم نهضوا من مكانهم وقالوا بانهم سوف يتجولون قليلا وأنا نبهت سليم بان يحاول اكتشاف خباياهم وعندما رجعوا وجلسوا في اماكنهم سألنا القبطان إذا كان لدينا اي نوايا للرجوع إلى الوطن وحدث حوار مطول بين الجميع رغم ان الكل عبر عن حنينه وشوقه الى المدينة . صمتنا قليلا ونظرنا الى بعضنا البعض ثم ضحكنا بصوت عالي لأننا لم نفكر قط ان نعود فنحن نتمتع بخيرات الجزيرة وكنوزها ومناظرها الخلابة . رفضنا الفكرة تماما ثم عرض علينا ان نكتب رسائل الى اهلنا لنطمئنهم عن حالنا واكد انه سوف يوصلها بكل امانة وقد بدأوا بالكتابة وأنا ايضا مثلهم لكنني توقفت فجأة لانني لم اعرف لمن اكتب ؟ .. حاولت أيقاظ مشاعري النائمة ثم تسللت الى اعماق مخيلتي وأغمضت عيني وعندما فتحتها لم ارى سوى عينا سليم تحدق بي مع ابتسامة لطيفة على شفتيه . عندما أكملوا الكتابة اخذ القبطان جميع الرسائل منهم واستغرب لماذا لم اكتب شيئا فقلت له هنا بيتي وهؤلاء اهلي والذي بيني وبينهم اكبر من ان اكتبه على ورق فنحن نتواصل من خلال نظراتنا واحاسيسنا ثم حدثنا عن رحلاته في البحر وتذكر بلادا عديدة كان قد زارها فهو منذ نعومة أَظْفَاره يعشق البحر وكل طاقمه كانوا يثقون بحكمته وخبرته وتجربته معهم . تأخر الوقت واستمتعنا بالوليمة التي شكرونا عليها وعلى تلك الامسية وحسن ضيافتنا ثم عادوا الى السفينة ليقضوا الليلة على متنها ونحن ايضا تعبنا ونظفنا المكان ثم قررنا ان نخلد للنوم وتمنينا ليلة سعيدة للجميع على أمل شروق شمس يوم جديد ..

إرسال تعليق