سحر النصراوي
في الوقت الذي لا تزال فيه بعض الجهات على رأسها المرصد التونسي للمرأة تخرج علينا بين الفينة والأخرى بتقارير تصف فيها النساء غير المتزوجات بعد سن الثلاثين بـ"العوانس "، وتحمّل ملامح القلق، وتقطر شفقة متستّرة بالتمكين... يغيب عن النقاش كائن عجيب، الرجل العانس، أو لنسـمّه بلفظ عربي مهذّب : الخضيب، وهو لقبٌ ورد في المعاجم القديمة للرجل الذي طال به الأمد ولم يتزوج، حتى خضّب الشيب عارضيه قبل أن يخضّب يديه بحناء العُرس .
الأرقام لا تكذب (لكنّها قد تبالغ!)
حسب بعض الدراسات الحديثة، أكثر من 50٪ من الرجال التونسيين لم يتزوجوا بعد سن الثلاثين، فيما تراجعت نسبة الزواج في صفوف الذكور إلى مستويات غير مسبوقة بعد عام 2011 . ومع أن بعض الأرقام "تنفخ" في الأزمة لتبدو مثل فقاعة قابلة للفرقعة السياسية، إلا أن الحقيقة الواضحة هي أن الشاب التونسي هذا الكائن العاقل ، عازف عن الزواج لا عن الحب، وسبب العزوف ليس فلسفيًا وجوديا ولا وجدانيًا، بل حسابيٌّ بامتياز، حساب البنك، لا يسمح .
تعدد الزوجات:
ومن هنا ننتقل إلى النكتة الاجتماعية الجديدة، مطالب تشريع تعدد الزوجات في تونس، والتي تُروَّج كأنها طوق نجاة يُلقى في بحر العنوسة الغامرة .
لكن... لنفكّر قليلًا من لا يقدر على تكاليف الزواج الأول ، هل سيقدر على تكاليف الزواج من الثانية؟
وهل "تعدد الزوجات" سيحل أزمة الخضيب ؟ أم هو امتياز جديد يُمنَح لمن سبق أن حصل على البطاقة الذهبية (عقد الزواج الأول)، ليعيش في رفاهية تعددية بينما ينتظر العازب طابور الدعم النفسي؟
الحقيقة أن هذا الطرح لا يحلّ شيئًا، بل يُقصي الأعزب تمامًا من المعادلة . وكأننا نقول له : "أنت لست مرشحًا للزواج أصلاً، فانتظر حتى ينتهي المتزوجون من نصيبهم الثاني!" بين تمييع الأزمة وتجهيل الأسباب فإن ما يحدث اليوم ليس حوارا ، بل مسرحية تمييعية تُقدَّم على فكر إعلامي هزيل، حيث تُستَعمَل مفاهيم مثل "العنوسة" و"الستر" و"إحياء سنة التعدد" كأنها إسفنجة تمتص السخط ، بينما الواقع بسيط حد السذاجة من لا يملك ثمن غرفة النوم لن يفكر في إنجاب أطفال . ومع ذلك، لا تزال الأصوات ترتفع : "دعونا نفتح باب التعدد في الزواج!" وكأننا نقترح مضاعفة عدد الأرائك في بيت لا سقف له .
ختامًا... من يعنس حقًا؟
ربما آن الأوان لإعادة صياغة المفاهيم . لا المرأة عانس لمجرد أنها لم تتزوج ، ولا الرجل "خضيب" لأنّه ما زال ينتظر. العنوسة الحقيقية هي في العقول التي تتوهّم أن الحلول تأتي من الورق، لا من واقع اقتصادي يُعاني فيه المتزوجون والعازبون على حدّ سواء. فيا أيها المتشدق بالحلول ، بدل أن تفتح بابًا ثانيًا للمتزوج، افتح نافذة للذي لم يجد بابًا أصلاً. وعلى سبيل الدعابة ، ارفعوا ايديكم عن النساء واعطونا ارقاما ولو تقريبية عن الرجال الخضب من نفس الفئة العمرية ؟؟ أو فلترفعوا أيديكم عن الإثنين ويسروا لهم أسباب عيش كريم و لن يبقى هناك لا عوانس ولا خضب.

إرسال تعليق