مصادرة ناعمة : عبودية بماء الورد

مشاهدات



سحر آل نصراوي


ليست كل القيود تُصاغ من حديد . بعضها يُغزل من عاطفة، من خوفٍ متلبّسٍ بالحرص ,من كلمةٍ تُقال بحنان، لكنها تُحكم وثاقك دون أن تدري . بعضهم يظن أن بسط سيطرته على حياتك كافٍ لمصادرتك , يحسب أن التوجيه، والمنع، والامتعاض من خياراتك هو شكل من أشكال الحب العميق، أو الرعاية المفرطة. لكن الحقيقة أكثر قسوة : إنه لا يحبك، بل يحب سلطته عليك.


في هذا النوع من  العلاقات٫ أنت لست شريكًا… بل مرآة.

لست إنسانًا… بل وظيفة .


كل ما فيك يجب أن يخدم صورته عن ذاته ورغباته ولم لا نزواته أيضا . وكل انحراف عن هذه الصورة  يُعد خيانة وتقصيرا ,هم في الحقيقة لا يريدونك أن تعيش، بل أن تُعرض ، أن تكون متاحا دائما أن تكون على قيد الانقياد ، لا على قيد الحياة, وأن تلعب دورك في المسرحية التي كتبوا نصّها مسبقًا، دون أن  تنسى منها سطرا فإذا نسيت سطرًا… طردوك من الخشبة . هذا النوع من العلاقات يحيل إلى العصور الأولى للعبودية، لكنها ترتدي اليوم قفازات ناعمة :


عبودية "عاطفية"، تُمارس باسم الحب، وبقوانين خفية لا تقول :


"أطعني"، 

بل: "أثبت لي أنك تحبني".


كل رفضٍ لتعليماتهم يُقابَل بالابتزاز، أو الصمت، أو التوبيخ العاطفي، حتى تصبح طاعتك هي شرط بقائك في حضرتهم ويصبح اختلافك جريمة تستدعي التهذيب أو الاستبعاد. يريدون أن يفهموك ليُعيدوا تشكيلك، أن يعرفوا كيف تفكر، لا ليحترموا تفكيرك ، بل ليُقنعوك بعدم جدواه . يريدونك كما يتخيلونك، لا لما أنت عليه فعلا يريدون أن يحبوا نسخة منكتلك التي تناسبهم ، تخدمهم  وترضيهم  والمؤلم، أن هذا يحدث حتى  في أقرب الروابط  وفي صداقاتٍ تتسلل فيها السيطرة باسم "الغيرة"، وفي علاقاتٍ عاطفية يُختزل فيها أحد الطرفين إلى تابعٍ أو مرآة، وفي بيوتٍ كانت من المفترض أن تحميك، لكنها نصّبت نفسها قيّمة على حياتك،فخلطت بين الحب والتملك، وبين الرعاية والإلغاء.


هؤلاء لا يصادرون حياتك فقط … بل يصادرونك معها ولا يطلبون إذنك، بل يطلبون استسلامك باسم البرّ أو الامتنان. وفي النهاية، لا يريدون لك الخير بقدر ما يريدونه على طريقتهم، حتى لو كانت طريقتهم تنهيك . لكن يأتي يوم، تستفيق فيه ،ليس عبر الافجار، بل عبر صمت داخلي يشبه رجفة. كأن أحدهم أزاح الستار عن عينيك بعد نومٍ طويل، فترى  مليا أن الحب لا يعني الخنوع ، وأن الطاعة العمياء ليست فضيلة . فتبدأ بالشك، ثم بالتساؤل، ثم بالخروج خطوة… فخطوة إلى أن ترى جليا وتكتشف أنك لا تحتاج إذنًا كي تكون نفسك ، وأن النجاة لا تستوجب إذنا ..


أن المحبة تنمو وتترعرع  في الحرية وأنه لا يقبل أن تصير قيدًا، مهما تلطفت ملامحها. تخمين 


تعليقات

أحدث أقدم