د. ضرغام الدباغ
يزخر تاريخ الأدب، العربي والعالمي وعلم الإجرام بأمثلة غريبة علمياً وخلقياً، ففي العرف الاجتماعي، وعلم الإجرام أن المجرم هو شخص منحرف تربويا وخلقياً، وبدل أن يكون شخصية يقف بوجه الجريمة ويمنع أنتشارها، يصبح بنفسه ورماً أو طفحاً جلديا يشوه الإنسان الجميل، ويحوله إلى آلة تخريب ومعول هدم .
ولكن يتفق الأدباء، والكتاب، أيضاً أن هناك من الأشخاص، هم شرفاء في دواخلهم، يعتقدون أن المسحوقين يتعرضون لظلم ذوي النفوذ والجاه والسلطان، وعلية القوم ممن يمتلكون المزارع والأراضي، والخدم . وبسبب هذا الظلم هناك جموع من الناس يتعرضون للنهب، يأكلون أقل مما ينتجون ويستحقون، وهذا هو في الواقع سبب الثراء الفاحش للإقطاعيين والملاك والتجار، وكبار الصناعيين . فيقرر عدد من الشجعان الانتصار لهذه الجموع المسلوبة القوة والإرادة، فينتصرون للحق على طريقتهم المخالفة للقوانين، ولكنها تعيد بعض الحق للمسحوقين ، بواسطة السطو بالقوة على أموال الأثرياء وتوزيعها على الفقراء, وفي الأدب الأوربي أشتهر (ٌRobin Hood) /روبن هود / 1370 ) في بريطانيا ، وشخصية (زورو / Zoro) في الادب الاسباني لتسجل أحداثاً تدور في كاليفورنيا عام 1919، وفي الأدب الفرنسي قدم الكاتب الفرنسي موريس لابلان (Maurice Leblanc ) عام 1905 شخصية أنيقة ذكية تحتال على الأثرياء وتسلب أموالهم ليوزعها على الفقراء، وهي شخصية خيالية ولكنه أستخدم الفكر (اللص الشريف)، وفي الأدب السويسري اشتهرت شخصية بين الخيال والواقع : (وليام تل / Wilhelm Tell) الذي كانت إضافة مهمة لشخصيته وهي مقارعة المحتلين لوطنه والقصة انتشرت منذعام / 1307. وجل هذه الروايات كان الجانب الخيالي يطغي على الجانب الواقعي، أو يضيف قدرا كبيراً بحيث يصعب تمييز الحقيق بدقة تامة، وخاصة الأساطير التي تشير أنه كان لروبن هود دورا وطنياً في مقارعة الطغاة والمحتلين الأجانب، ونفس الأمر بالنسبة لوليام تل الذي يعتبر بصراحة كقائد وطني في التأريخ السياسي / الفلكلوري السويسري . وتمتزج الطرافة والظرافة والسرقة والنضال الوطني بفكرة مقارعة الظلم والظالمين والطغاة.
وفي التاريخ العربي، وتحديداً في العصر العباسي الوسيط، (منذ خلافة الأمين والمأمون) في عصر أضطرب فيه حبل الأمن فظهرت في بغداد فئة ضالة من الأشقياء الذين يحصلون على قوت طعامهم بالقوة البدنية الخارقة التي يتمتعون بها، وإجادتهم الرمي بالمقلاع، واستخدام القوس والنشاب، وبشجاعتهم والتزامهم، مما حمل الخلفاء منذ الأمين بن الرشيد وصاعداً، الاستعانة بهم. في الحروب والحملات الداخلية والخارجية. وسموا بالشطار والعيارين. وبسبب استخدامهم في المعارك ، نظم الشطار صفوفا في تشكيلات عسكرية، ووضعوا عليه عرفاء وآمرين، وبلغت أعدادهم 30 ألفاً من المقاتلين. واتخذوا لأنفسهم إشارات وعلامات كالخوذ من الجريد، وقلائد نحاسية في رقابهم، والخرز والأصداف .. وما شابه ذلك. وكان لهم شأنا في المجتمع العباسي الوسيط إلى متأخر العصر العباسي . ماذا نريد القول ..... حتى اللصوص الشرفاء دخلوا التأريخ من باب إخلاصهم لفئاتهم المسحوقة، ولمقارعتهم أعداء الوطن، أما ما تعرفنا على وجودهم ، المتعاونين مع الأجنبي وناهبي الوطن، فهذه فئة لم نتعرف عليهم إلا في العصر الراهن . فهم لصوص ومتبجحون، ولا يخجلون ولا تتعرق جباههم ... التأريخ يسجل كل شيء ... ولا يغفل التأريخ عن الحقائق، ولن يعبأ بالخداع والغش، فهذه من أساليب الاحترام بالسرقة والنهب .. وكل شيء مسجل صورة وصوت ..

إرسال تعليق