التعليم غير التقليدي

مشاهدات

غدير محمد أسيري


في خضم المتغيرات السريعة التي يشهدها العالم اليوم، يبرز التعليم كأحد أعمدة التنمية المستدامة للدول خاصة في منطقة الخليج العربي وفي دولة الكويت، لم يعد التعليم التقليدي كافيًا لتلبية طموحات الشباب ولا احتياجات السوق العالمي الذي تحركه التكنولوجيا والابتكار والعولمة، ومع تزايد التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، أصبح من الضروري أن تتبنى الكويت فلسفة التعليم غير التقليدي والتعليم العالي المبتكر، لتهيئة جيل قادر على التفكير النقدي والإبداعي وصناعة الفرص بدلاً من انتظارها، فالكويت دولة ذات موارد بشرية شابة، تواجه تحديًا رئيسيًا يتمثل في تهيئة الطالبات والطلاب لمتطلبات سوق عمل يتغير بوتيرة متسارعة تتطلب مواءمة التعليم غير التقليدي والتعليم العالي مع حاجات العصر الحديث. 


إن التعليم غير التقليدي، بما يشمله من منصات إلكترونية، وأساليب تعليم مرنة، وتعلم ذاتي، يشكل اليوم أحد أعمدة التحول التعليمي في الكويت، فقد أتاحت التكنولوجيا الحديثة للطالبات والطلبة فرصًا جديدة لكسر قيود الزمان والمكان والوصول إلى مصادر معرفية متنوعة ومواكبة أحدث المستجدات في مختلف التخصصات، ويعزز ذلك قدرة الطالبات والطلبة على تطوير مهاراتهم العملية والفكرية بعيدًا عن الأساليب النمطية في التلقين والحفظ، ليكونوا عناصر فاعلة قادرة على مواجهة التحديات بسوق العمل الحديث بالعالم، والتعليم العالي هو البوابة الأساسية لرعاية الإبداع والكفاءات الطلابية وصقل مهاراتهم البحثية والريادية، لقد شهدت الجامعات الحكومية والخاصة بالكويت في السنوات الأخيرة خطوات تطوير واضحة، عبر تحديث البرامج الأكاديمية وإدخال تخصصات تواكب حاجات العصر والتبادل التعليمي الثقافي مع الجامعات العالمية بالدول المتقدمة والبعثات الداخلية والخارجية لتحديث التخصصات المعاصرة كالذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الرقمي، والطاقة المتجددة والامن السيبراني وحماية الأنظمة والشبكات من الهجمات الإلكترونية وهندسة البرمجيات لتطوير وصيانة البرامج والتطبيقات، ومحاكاة الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات والروبوتات. 


كما أطلقت العديد من المؤسسات مبادرات لدعم المشاريع الطلابية وتشجيع البحث العلمي، مما أسهم في تحويل الطالب من متلقٍ إلى منتج للمعرفة وصانع للتغيير، ويمثل هذا التوجه خطوة محورية نحو تحقيق رؤية الكويت 2035 التي تسعى لبناء اقتصاد متنوع قائم على المعرفة والابتكار، وتكمن الإيجابية الأهم في هذا المسار في قدرة التعليم الجديد على مواءمة مخرجاته مع متطلبات العصر الحديث، من خلال تعزيز المهارات الرقمية، ودعم ريادة الأعمال، وتوجيه الشباب نحو التخصصات النادرة المطلوبة محليًا وعالميًا، وإن استثمار الدولة في برامج الابتعاث، وتطوير البنية التحتية الرقمية، وتمكين المشاريع الطلابية، كلها مؤشرات على وعي الدولة بأهمية بناء قدرات وطنية تستطيع قيادة دفة الاقتصاد الوطني نحو المستقبل بثقة وكفاءة، وتميزت دولة الكويت بتقديم المساعدات الشهرية كمنحة طلابية بمبلغ 200 دينار كويتي لأبنائنا وبناتنا الطلبة لتساعدهم على مصاريفهم حياتهم الدراسية وهذا ما يرفع من دافع ورغبة أبنائنا للدراسة. تقترب الكويت من تحقيق هدفها في بناء مجتمع معرفي منتج، قادر على تحويل التحديات إلى فرص حقيقية، ومن هنا فإن رعاية التعليم بمختلف أشكاله يظل حجر الزاوية لبناء كويت جديدة، أكثر استعدادًا لمتطلبات المستقبل وأكثر قدرة على المنافسة بإبداع وكفاءة في عصر لا مكان فيه إلا لمن يبتكر ويتطور باستمرار، فالاستثمار في التعليم غير التقليدي والتعليم العالي المبتكر ليس خيارًا، بل هو ضرورة استراتيجية لضمان استقرار المؤشرات التعليمية الاقتصادية والاجتماعية في ظل المنافسة العالمية المتزايدة، ومع كل خطوة لتطوير الكفاءات الطلابية وتشجيع الإبداع والابتكار.



تعليقات

أحدث أقدم