أذواق وأمزجة القراء

مشاهدات



د. ضرغام الدباغ


منذ سنوات طويلة وأنا أكتب للصحافة المطبوعة والالكترونية، وبالطبع أتلقى ردود أفعال القراء، ومع أن لي الكثير جداً من القراء، والمحبين، إلا إن هذا لا يمنع أني أتلقى النقد والنصح، وطلبات القراء، على اختلاف أنواعها ومشاربها، وبالطبع هذا مفهوم جداً، فأنت حين تخاطب الناس، توقع أن يكون بينهم من يخالف رأيك . وسائط النشر عندي هي :

بين 100 ــ 110 عنوان أراسلهم على الواتساب، او بواسطة الفيسبوك (Fecebook)، فهناك حوالي 6000 عنوان اراسلهم من القراء الدائمين، وهناك عدد يصعب تقديره يقرأ ما أنشر ومن لا يترك اعجاب ولا تعليقا ولا إشارة، ربما بقدر المسجلين كأصدقاء أو أكثر . وهناك 90 عنوان أراسلهم بواسطة البريد الالكتروني (الياهو / Yahoo) وقد أستأذنني الكثير أن يعيدوا نشر أو توزيع ما أكتب . وهناك صحف مطبوعة في كندا، والجزائر والمغرب، تنشر لي بين الحين والآخر، وهناك مواقع تنشر لي ما أكتب، يصعب تقدير عدد القراء، ولكن أحد تلك المواقع (الكاردينيا / Gardenien ) وبصدد إجراء استطلاع، لأكثر الكتابات مطالعة، وجدت أن تقريرا / بحثاً لي بلغ عدد من طالعه: 8500 قارئ ...! وكان عن عصيان بحارة كرونشتات، وهي موضوعة غير مطروقة في بحوث التاريخ، ولا سيما باللغة العربية . في المقالات المنشورة وخاصة في الفيسبوك، يعتبر اللايك بنوع ما رضا القارئ عن المقال / التقرير / البحث، وعدد اللايكات التي تحصدها المقالات هي غالباً :

1. مقالات عن سيرة سياسيين/ قادة/ مناضلين
2. تجربة نضالية / شخصية مثيرة.
3. الاحداث التاريخية المثيرة : ثورات، حروب

وهذا الصنف من المقالات يحصد في المقالات المفتوحة ربما 500ــ 600 لايك، وأما في المقالات الغير مفتوحة فيحصد بالآلاف من المطالعين. ومن تجربتي أرجح أن المقال الذي يكسب ردود أفعال 25 ــ 35 قارئ ، هو جيد ، والمقال الذي يحصد ردود أفعال من 50 هو جيد جداً، أما المقال الذي يحصد ردود أفعال 100 قارئ فصاعداً هو مقال ممتاز ، ولكن المقال الذي يثير ردود أفعال قليلة، ليس بالضرورة أن نصنفه غير جيد، وكمثال على اتجاهات الرأي عند القراء، حدث أن نشرت بحثاً خطير الأهمية " السجال الاستراتيجي " وكاتبه أستاذي الدكتور نايف بلوز، المفكر والأستاذ في الفلسفة بجامعة دمشق وتوقعت أن ينتشر ويكتسب الاعجاب، والدهشة والإحباط، حين لم يحصد لايكاً واحداً، والسبب أنه بحث عميق وعنوانه ثقيل، معظم قرائنا للأسف يريدون ثقافة ومواد سهلة خفيفة بصفحة واحدة أو صفحتين، لاحظ كم من من الكتاب يدعون الوصل بالاستراتيجية وفي الواقع لا يفقهون منها شيئاً المقالات الفكرية والفلسفية الثقيلة المحتوى، السياسية والاقتصادية، لا تسجل سوى عدد قليل من اللايكات، وقد تكون معدومة، كمثالنا آنف الذكر وهذا مثير للدهشة، ولو أني كمؤلف وناشر: لي خبرة نشر منذ عام 1984 فصاعداً وقد نشرت أكثر من 70 كتاب، بين أعمال مؤلفة ومترجمة، ومن الاخبار الغير سارة، أقول أن الكتب الممتازة تتعثر في البيع، ويندر أن ينجح كتاب جاد في الانتشار، ولكن كأمثلة وفيها متناقضات، أن من الكتب التي لاقت رواجا كبيراً كان كتاب روجيه غارودي: واقعية بلا ضفاف. (بيع نحو 8000 نسخة عام 1968) ولكن كتاب البيروسترويكا المهم (في وقته) بيع منه 1000 نسخة فقط.

وأفضل مؤلف عراقي كانت كتبه تنفذ هي أعمال د. على الوردي / عالم الاجتماع العراقي . كانت تطبع حوالي 8000 كتاب، وهي أرقام لم يبلغها غير الدكتور الوردي . فقد كانت حصاد أول كتاب لي (الابعاد السياسية والاستراتيجية لحرب فوكلاند عام 1985) طبع في دار المؤسسة العربية / بيروت، الطبعة الأولى كانت 5000 نسخة، بيد أن الكتاب تكرر طبعة دون علمي مرتان، وطبع بدون ترخيص(تزوير) مرة على الأقل في عاصمة عربية، وكتابي الثاني كان (قوة العمل الدبلوماسي في السياسة)، صدر لأول عام 1985 عن دار آفاق عربية / بغداد، طبع مرة رسميا، وربما طبع خفية (تزويراً). ثم طبعة ثانية عام 2020 / برلين . ولابد من ذكر حقيقة أخرى، أن ليس بالضرورة جميع الكتب الناجحة " رواجا في السوق" هي كتب ممتازة، وهنا أود أن أذكر وكنت لسنوات طويلة مطلعا بدقة على حركة سوق الكتاب في العراق والدول العربية، بحكم علاقاتي الوثيقة بدور النشر العراقيين والعرب، فأذكر هذه الخاطرة اللطيفة، أن صديقا لي (من الناشرين) أراد أن يشتري سيارة سوبر صالون عام 1984، فما كان منه إلا أن أصدر كراس باسم " حياة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ وأشهر أغانيه" وطبع الكتاب وأصدره وكسب منه مبلغاً طيباً تمكن من شراء سيارته المنشودة . وكنت ذات يوم ببغداد في شارع الوراقين (المتنبي) ودخلت مكتبة النهضة لصاحبها الصديق العزيز المرحوم عبد الرحمن الحياوي، وما أن دخلت المكتبة، حتى تهلل وجهه فرحا وهتف " هسه انحلت المشكلة " وإذا به يجادل مؤلف لكتاب " كيف تتعلم اللغة الألمانية في 7 أيام " فضحكت وقلت لا يمكنك أن تتعلم أي لغة في سبعة أيام ، وحين علمت أن الرجل لا يعرف من اللغة الألمانية ولا كلمة واحدة، كيف إذن ستؤلف كتاب يعلم الألمانية، فأجابني حرفياً "ليش هي ينراد لها معرفة لغة" فضحكت وقلت له" نعم أعتقد ذلك، الأمر ليس صناعة قدر دولمة " فقال " تساهل ويانا .. هي قصة ينراد لها شطارة، والسوق يقبل كل شيء ".سوق الكتاب العربي والعراقي يمر بحالات تتراوح بين الممتاز والردئ جداً، ولابد أن تعرف أن حال الطباعة والنشر في أوربا ليس بأفضل كثيراً، بل تتشابه مع أوضاعنا، الكتاب الممتاز يجد سوقه، وكذلك الردئ جداً.. هذه قصة معروفة حتى في الحياة بصفة عامة، هناك دائماً أبطال وشرفاء، وهناك غير ذلك .

تعليقات

أحدث أقدم