الأحلام : البصر والبصيرة ....!

مشاهدات


د. ضرغام الدباغ


قبل أيام قليلة شاهدت مقابلة مع شخصية عربية، أمضى في السجن أكثر من 22 عاماً، لا يمكن وصفها بأنها ممتعة إطلاقاً. جوهر قضية السجن، هي انك لا تستطيع فعل أي شيئ بإرادتك إلا نادراً، ونادرا هذه أن تكون ذكيا وتغافل الحراس. وبالطبع ليس جميع السجون وليس جميع البلدان بمستوى واحد من الشدة والقسوة، ولكن في جميع الأحوال السجن هو سجن، أي حرمان تام من الحرية، وبمرور الوقت يفتقد الإنسان لكل الأشياء من البسيطة والكبيرة، مثل رؤية الأشجار، واستخدام الهاتف، وركوب السيارة، إلى تفاصيل كثيرة . ويجب أن تكون ذكياً جداً، لكي تخفف من وطأة السجن وآثاره عليك. والاحلام هي إحدة تلك النوافذ .
- في المقابلة المثيرة مع السجين السياسي العربي، روى احداث مروعة في السجن حدثت له ولغيره، بتجربة طويلة امتدت لأكثر من 22 عاماً، في سجن بالغ القسوة بحيث كانت أبسط الأشياء محرمة على السجناء لذلك كانت واسطة الاتصال الوحيدة مع الحرية ومعطياتها هو الحلم، وكانت رموز كثيرة تتداخل بالحلم فيصبح تفسيرها، هو مثلاً : الحرية، البيت، العائلة، شخصيات يتمنى مقابلتها، أحداث معينة يتمنى أن تحدث ... القط، العصفور السمك وهي تمثل رموز .

- كنت أنا أقوم بذات الشيء، إذ اباشر أكتب فور استيقاضي من الحلم الذي عشته في منامي وأحاول أن أسجل ما اتذكره من الحلم ، وفعلاً دونت الكثير منها.
- قرأت في السجن مقالاً في مجلة دير شبيغل (العدد: 21 / 1990) عن عمل سينمائي مهم جداً للمخرج الياباني اكيرا كوروساوا، أستحق عليه جائزة الأوسكار، وكان المخرج  كوروساوا قد أدمن كتابة الاحلام الي يعيشها في الاحلام، وفي مقالة دير شبيغل يستعرض في مقابلة له، معلومات وأراء وانعكاسات عن الاحلام تستحق القراءة.

-شاهدت مقابلة تلفازية مثيرة لرجل ضرير، ومنا استفدت كثيراً، فالرجل الضرير يبدو مثقف وواع، ومن هذه المقابلة استفدت بشيء مهم أن الضرير يقع في شخصين :
الأول الضرير منذ الولادة وهو لا يعرف معنى النور، أو القمر،

والصنف الثاني من الضرير هو ضرير ما بعد الولادة، بحيث يستطيع أن يفهم ما يعني الضوء مثلاً، وطبقا لحالته البصرية يفهم الحلم . وسأله مقدم البرنامج، وهل يحلم الضرير ... وماذ يحلم ..؟ الضرير لا يحلم بالأشخاص لأنه لا يعرفهم، قد يتعرف على محدثه من خلال صوته، ولكنه لا يتعرف عليه من خلال شكله ..!

-قرأت رواية روسية رائعة، وكاتبها كورلينكو،" الموسيقار الاعمى " وهي قصة طفل ولد ضريراً، لذلك فحياته مظلمة بصفة تامة، وكان ذوو الطفل من الأثرياء لذلك تولوا تعليمه في البيت وجلبوا له معلمة موسيقى، وتدرب الطفل حتى أصبح يجيد العزف حقاً، وسأل معلمته سؤالاً صعباً فلسفيا وفنياً، سألها " ما هو اللون الأصفر " فشعرت المعلمة بالألم لأن هذا الطفل حرم من مشاهدة الألوان وأشياء كثيرة، فلا مجال للإجابة سوى بالموسيقى، لأن الطفل لا يعرف شيء في الكون عدا الموسيقى .. ولكن كيف ستشرح له .. قالت له الأصفر شيء هادئ يمنح الأمل والتفاؤل .. الأسود تعرفه أنت عزيزي، هو لا شيء، هو العدم، الأحمر شيء صاخب والطفل يحاول أن يلعب بالكمان شيئا صاخبا ضربا متلاحقة سريعة على الوتر، وشرحت له الأزرق والاخضر .. وهذه سابقة فنية أن يحاول شخص التوصل إلى الماديات عبر الموسيقى ..

- حين يشتد الحصار (والحصار أنواع)، يصبح التواصل مع الحرية (الحياة) بدرجة التماس مستحيلاً، وليس متاحاً إلا مشاهدة التلفاز، وقراءة الكتب، وبالإضافة إلى نافذة كبيرة عريضة هي " الأحلام " التي بوسعك أن تحلق في فضاءاتها بلا جواز سفر أو رقيب وحسيب

... ويقال عن الاحلام أنها انعكاسات للرؤية والفكر، وشيء يشغل بالك بدرجة عميقة، يقترب هذا الشيء منك ويدعك تعيش تجربة لن تستغرق سوى ثوان.....

- في الحلم سوف لن تشاهد ثياباً ولا أطعمة، وعلى الأرجح سوف لن تتعرف "إلا على من تشخصه كبشر ... ولثوان محدودة.

- الأحلام هي ملامسة روحية (toch) لم أسمع ولم أقرأ عن أحلام تتناول مثلاً حوادث جوية ..!

-" نسيان الحلم " تجربة عالمية، فالبشر ينسون الاحلام في الغالب بعد دقائق من استيقاظهم، ومن خلال كتابتي للأحلام، وتراكمها صار بوسعي أن أكّون ملاحظات لتفسيرات لاحقة .

- النائم كالميت، والأحلام بتقديري هي لقطات من حياة أخرى .

- روى لي مرة شخصا كان يشغل منصباً مهماً يتيح له اتصالات كثيفة مع الناس. أنه التقى مرة أحدا بحكم الواجب، الذي كان يمتهنه (سراً أو علانية) تحضير الأرواح ، وقال انه مستعد أن يحضر له روح من يشاء بعد إعطاء معلومات عن المتوفي، وكان لهذه الشخصية شقيق متوف، فطلب من هذا الشخص استحضاره، وهذا ما تم فعلاً، وشاهد صديقي (الشخصية المسؤولة) شقيقه، فعلاً لدقائق، ولكن المتوفي قال لشقيقه، " أنهي المقابلة رجاءا، اتركني فأنا تعبت .." . وفعلا انتهت المقابلة، وسألت الشخصية ماذا كان يرتدي شقيقه، فأجاب لم أستطع التركيز فوجه أخي وحضوره أفقدني التركيز على أي شيء آخر، ولكنه عرف من شقيقه " نحن نعيش أحسن منكم ".

-كان لي صديق قد درس في الولايات المتحدة وعاد للعراق في أوائل الستينات، ومما قاله لي أنه عاين حدثاً علمياً : سيدة أمريكية، كان لديها قدرة طبيعية استثنائية في التذكر ، بحيث أنها تتذكر أحداثا بالتفصيل وهي طفلة أو رضيع ، وافقت على إجراء تجارب علمية بواسطة التنويم المغناطيسي، أجراه لها خبير مهم، وخلال التجربة بدأت تتحدث عما تتذكره وهي جنين في بطن أمها، ثم ارتجفت بقوة، وبدأت تتحدث عن أشياء تبدو خيالية، أنها تتذكر يوم زواجها وزفافها في سنوات كثيرة في القرية (ذكرت أسمها) الكائنة في ايرلندة، وأنها عقب عقد قرانها في الكنيسة الفلانية وحفل الزواج، اتجهت مع زوجها لقريته(ذكرت أسمها) ولكن العربة التي يجرها حصان، تعطلت لسبب ما، واضطرا لقضاء الليلة في العراء ,, وأنها تذكرت الحادثة بدقة الأماكن والأسماء .. وحين تم الاستفسار عن الأماكن أكدوا وجودها، بل ووجود فتاة بهذا الأسم وزوجها ... ولكن سنين طويلة مضت على الحادثة ...

صحيح أن أحداث استحضار الأرواح لم يتم تثبيتها كتجارب لها قواعد علمية، إلا أن هناك بحوث كثيرة وخلاصات تجارب حولها، وكذلك حو ل التنويم المغناطيسي، وتناسخ الأرواح، وحول الاحلام ... وقد أهتم العرب قديما وحديثا بالاحلام وتفسيرها، وهناك كتاب مشهور في تفسير الاحلام للعالم العربي المسلم: أبن سيرين (المولود في البصرة عام 110م والمتوفي عام 729م)

بتقديري أن التقدم العلمي سيكشف المزيد مما نعتبرها غوامض ......


تعليقات

أحدث أقدم