مشاهدات
د. ضرغام الدباغ
ميخائيل شولوخوف الكاتب الروائي الروسي الكبير من أدباء الواقعية الاشتراكية ملتزم بالفكر الماركسي / شيوعي، ولد في روستوف : 11/ أيار / 1905 ، وتوفي: 21 / شباط / 1984 أديب روسي حاز جائزة نوبل في الأدب لسنة 1965 عن روايته الدون الهادئ، التي عربها عمر الديراوي وآخرون ونشرتها دار العلم للملايين . ودور نشر أخرى . شارك في الحرب العالمية الثانية، وبلغ رتبة عقيد في الجيش السوفيتي. وتوفي بسرطان الحنجرة . ودفن في مسقط رأسه / روستوف. ولد شولوخوف لأب مزارع وأم أوكرانية، صدرت روايته «الدون الهادئ» بأربعة أجزاء ، من ترجمة مجموعة من الأدباء العرب ومراجعة غائب طعمة فرمان . وأعيدت طباعته سنة 2013 . بدأ شولوخوف الكتابة وعمره 17 سنة. وأوّل كتاب نشره هو «حكايات الدون» 1926 وهو مجموعة قصص قصيرة . وفي عام 1925 بدأ بكتابة روايته الشهيرة «الدون الهادئ»، وقد استغرق 12 عاماً في كتابتها، أنجزها عام 1937، ترجمت إلى لغات كثيرة في العالم، وكان عمله التالي رواية «أرضنا البكر» مكونة من جزأين وقضى 28 عامًا في كتابتها، وقد اعتبرت كتابات شولوخوف النموذج الأمثل للواقعية الاشتراكية . حصل شولوخوف على عضوية : اتحاد الكتاب السوفييت، والأكاديمية الصربية للعلوم والفنون، والأكاديمية الروسية للعلوم، وأكاديمية العلوم في الاتحاد السوفييتي ، واللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي .
قرأت الترجمة العربية الأولى لروايته الأشهر " الدون الهادئ" بترجمة عمر الديراوي ، التي صدرت بجزء واحد ، بترجمة جميلة ولكنها مختصرة ، ولكنها صدرت فيما بعد وترجمها أدباء عراقيون، غائب طعمة فرمان، وعلي الشوك وآخرون ، بأجزاء أربعة . والرواية كبيرة تستحق دون ريب جائزة نوبل للأدب بل وتستحق أن يقرأها المرء بتمعن ودقة، فهي بالتأكيد من الادب العالمي الذي سيخلد في دنيا الرواية، بدليل أنها لا تزال مقروءة لحد الآن بعد 88 عاما على صدورها لأول مرة . تأثرنا بعمق بأسلوب شولوخوف، وكنا في منتصف الستينات، نتبادل الكتب ونناقش أحداث الروايات العظيمة، فقد كتب شولوخوف شعراً قوقازياً في فصول الرواية التي تدور احداثها في مناطق نهر الدون :
يافعة كانت تلك المرأة
التي هبطت إلى الجدول الصغير
وفي السهب كان شاب
أسرج فرسه الكستنائية ليقتنصها
لا تقعد بقربي، لا تسر على دربي
فقد يرانا الناس ويقولون أنك واقع بحبي
إنني لست امرأة وضيعة
فأبي شيخ قطاعي الطرق
وأنا حبيبة لرجل ..... إنه أمير
وفي مكان آخر يكتب شولوخوف
" إن السعادة تصل قطرة إثر قطرة، أما التعاسة فيتدفق سيلها دفعة واحدة "
وبعد وصف إنساني رائع قلما قرأنا مثله ... لعملية ولادة وألآم المخاض والوضع ، يكتب شولوخوف " هكذا من الألم خلق الإنسان " ويتطلع بونتشوك إلى وجهها، فأحس بشعور مؤلم ورقيق معاً وقال لها مازحاً " آنا ... إنك حلوة كالسعادة التي يحكي عنها بعض الناس ". وحين أصيبت آنا بطلق ناري وبدأت تحتضر، هكذا يصف شولوخوف الموت على لسان بونتشوك " أترى ما أهون الموت يا إليا ... بكل بساطة وسهولة إنني أموت ... لقد حانت ساعتي ... لكنها ما لبثت أن صرخت " الفزع ... الألم ... آه .. كل جسدي يحترق .. إنني أنزف من الداخل، رئتاي امتلأتا بالدم ... ماء على صدري . وحين جيء بالماء كان وجهها قد غدا شاحباُ وشفافاً، فأثنى رأسها إلى جانبها ... وكفت آنا عن الوجود . انحنى بونتشوك فضغط شفتيه على عينيها، نصف المطبقتين وهتف ... يا أعز شيء عليّ .. يا آنا ... ثم نهض واقفاً واستدار ومشى جامداً كأنه الحجر ، دون أن يحرك ذراعيه، المسدلتين على جانبيه .... بونتشوك فقد نوره ...!
في ختام الرواية، في نهاية ملحمة الألم والإحساس ... تعاتبه نتاليا زوجة غريغوري ... تعاتبه على إدمانه الخمر وعلاقته مع امرأة أخرى .. آنذاك يقول شولوخوف ...." وأضاف بعبارة هي جماع نفسه تلك اللحظة وقال لها :
تطلبين مني الحديث، وتقولين هناك موضوعات شتى يمكن أن تطرق، ولكني أقول لك أقول ... إنني لا أحس بشيء ، لقد فقدت قوة الإحساس من جذورها ".
نقلنا للقراء بعض من مقاطع هذه الرواية البديعة، واليوم هي متوفرة على الأنترنيت مجاناً .. أدعوكم لقراءتها . قراءة النماذج الرائعة من الاعمال الأدبية ... وهذا ما أحرص على القيام به، وبتراكم هذه الروائع يخلق الانسان المثقف، الذي سيرفض تلقائياً السخافات والابتذال ... ناهيك عن القمع، الثقافة والأدب الرائع تخلق إنسانا راقياً موثوقاً يرفض إهانة الإنسان .. يرفض الطغيان، الأدب العالمي ... الأعمال الخالدة : في الأدب والتاريخ والسياسة والفن ... هذا ما أقوم به منذ 20 عاما بلا كلل ولا ملل ... وهو خط الدفاع الأول المضاد لهجمات الجهل والتخلف ...!
إرسال تعليق