الشائعات... الخطر الصامت وقت الحروب

مشاهدات



نادية عبدالرزاق


وسط تصاعد التوترات الإقليمية  تبرز الشائعات والمعلومات المضللة كأحد أخطر التحديات الأمنية والاجتماعية، متجاوزة في تأثيرها أحياناً وقع الصواريخ والطائرات الحربية، حيث تلعب دوراً جوهرياً في زعزعة استقرار الدول ما لم تتسلح شعوبها بالوعي الكافي . يلجأ البعض إلى نشر إشاعات مغرضة لبث حالة من الذعر والتضليل بين الناس وإرباك الأوضاع الأمنية، ويُعد الخوف والقلق من العوامل الأساسية التي تدفع الأفراد إلى التفاعل مع الشائعات، فيسعى الكثيرون إلى البحث عن معلومات تشعرهم بقدر من الطمأنينة، وقد يتجاهل البعض أهمية التحقق من صحة الأخبار ويفضلون تصديق الشائعات التي تعكس مخاوفهم مما يؤدي إلى تعزيز انتشارها بشكل أسرع . 


وتعد الشائعة ظاهرة خطيرة تستشري في المجتمعات الإنسانية وتتزايد في زمن الأزمات والكوارث، وهي ظاهرة اجتماعية اقترنت بوجود الإنسان ولازمته على اختلاف مراحل حياته في السلم والحرب من أجل تحقيق أهداف مقصودة، وازدادت خطورتها بعد التطور التكنولوجي الهائل الذي حدث في السنوات الأخيرة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تعد وسيلة رئيسية لانتشار الشائعات وسرعة تداولها في المجتمع، فنجد أن هناك أناساً يقومون بترويجها إلى كل من يعرفون دون التحقق من صحتها، وأحياناً لا يكتفون بالنقل بل يضيفون عليها معلومات مضللة خاطئة، وربما اختلاق أجزاء كثيرة من تفاصيلها مما يجعل الإشاعة أعظم وأقوى، ويساعد على سرعة انتشارها وزيادة فعاليتها وتأثيرها على الأفراد أو المجتمعات المستهدفة. وتعتبر الشائعات من الوسائل الخطيرة التي يصل تأثيرها إلى المساس بالأمن القومي لأي دولة بشكل سلبي، لذا فإن سن القوانين والتشريعات الرادعة له دور كبير وفعال في محاربة الشائعات المضللة خاصة وقت الحروب والأزمات، وتقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بدور كبير في التصدي لأي جهة أو شخص يرتكب تلك التصرفات، وقد حدد المشرع الإماراتي عقوبة  نشر الشائعات بالشكل الذي يتماشى مع حجم الجريمة المرتكبة ، فنصت المادة رقم 52 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 5 لسنة 2024 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية على أن يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة والغرامة التي لا تقل عن 100,000 ألف درهم، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسيلة من وسائل تقنية المعلومات لإذاعة أو نشر أو إعادة  نشر، أو إعادة تداول أخبار أو بيانات زائفة أو تقارير أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو مضللة أو مغلوطة أو تخالف ما تم الإعلان عنه رسمياً، أو بث أو دعايات مثيرة من شأنها تأليب الرأي العام أو إثارته أو تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة أو بالاقتصاد الوطني أو بالنظام العام أو بالصحة العامة، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين والغرامة التي لا تقل عن 200,000 ألف درهم إذا ترتب على أي من الأفعال المذكورة من هذه المادة تأليب الرأي العام أو إثارته ضد إحدى سلطات الدولة أو مؤسساتها أو إذا ارتكبت بزمن الأوبئة والأزمات والطوارئ أو الكوارث.


كما نصت المادة رقم 175 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 36 لسنة 2022 بشأن الجرائم والعقوبات على أن يُعاقب بالإعدام كل من أذاع عمداً في زمن الحرب أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو عمد إلى داعية مثيرة وكان من شأن ذلك إلحاق الضرر بالاستعدادات الحربية للدفاع عن الدولة أو بالعمليات الحربية للقوات المسلحة أو إثارة الفزع بين الناس أو إضعاف الروح المعنوية في الدولة. وتعد مكافحة الشائعات خاصة أثناء الحرب أمراً بالغ الأهمية حفاظاً على الأمن القومي والتماسك المجتمعي، وذلك من خلال نشر التوعية عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المختلفة حول كيفية التحقق من صحة الأخبار، وتثقيف المجتمع حول مخاطر الشائعات، التعاون مع مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي الذين يتمتعون بالمصداقية والسمعة الطيبة وثقة الجمهور لنقل الحقائق، الرجوع دائماً إلى المصادر الرسمية في الدولة لتلقى المعلومة والتأكد من صحتها. في زمن الأزمات، لا تُقاس قوة الدول فقط بعدد الجيوش أو حجم الاقتصاد، بل أيضاً بمدى وعي شعوبها، فالمجتمع الواعي القادر على التمييز بين الحقيقة والزيف، يشكل الحصن الأول في مواجهة أخطر الأسلحة المعاصرة.

تعليقات

أحدث أقدم