لماذا يتجنب بوتين إطلاق المارد النووي على أوكرانيا ؟

مشاهدات


في أحد أيام أكتوبر/تشرين الأول 2022 حل الصمت في غرف العمليات الغربية، في حين رصدت الأقمار الصناعية الأميركية ما وصفه مسؤولون بالنشاط المريب في منشآت الصواريخ الروسية جنوب البلاد .


لم يبدُ الأمر تدريبا روتينيا، فقد تزامن مع مؤشرات أخرى عدة جعلت التقييم الاستخباري الأميركي يتوقع استعداد روسيا لتوجيه ضربة نووية لأوكرانيا. وفي تلك الأثناء، كان قد بدأ الهجوم الأوكراني المضاد يأخذ شكلا أكثر فعالية عندما استعادت القوات المسلحة الأوكرانية السيطرة على معظم منطقة خاركيف ومدينة خيرسون. واعتقد المحللون الأميركيون أن بوتين يمكن أن يعتبر فقدان هذه الأراضي "تهديدا وجوديا للدولة الروسية"، مما يستدعي ردا نوويا طبقا للعقيدة النووية لروسيا. كما تزامن مع اتهام مفاجئ من الكرملين لكييف بأنها تخطط لتفجير "قنبلة قذرة"، مما فُهم في واشنطن على أنه قد يكون تمهيدا نفسيا لتبرير الضربة النووية. وردا على ذلك عملت الولايات المتحدة مع حلفائها على تطوير خطة طوارئ للهجوم النووي، كما أطلقت حملة اتصالات دبلوماسية لوقف التصعيد شارك فيها كل من الزعيم الصيني شي جين بينغ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بفعالية. ووصف تقرير "سي إن إن" تلك اللحظة بأنها "أقرب نقطة اقترب فيها العالم من استخدام السلاح النووي منذ أزمة الصواريخ الكوبية"، لكن الضربة لم تأتِ، ولم تُطلَق الصواريخ، والذي حدث أن موسكو أرادت للعالم أن يراها على حافة الزناد، لكنها لم تضغط. ولم تكن تلك المرة الأولى التي تلوّح فيها روسيا بالسلاح النووي، ومن المؤكد أنها لن تكون الأخيرة. ومع كل تهديد غربي أو تصعيد أوكراني يعود السؤال ذاته ليطرح نفسه بإلحاح: لماذا لم تستخدم موسكو سلاحها الأكثر فتكا رغم الخسائر والضغوط ورغم تهديدات بوتين المتكررة؟ وهل يمكن لموسكو أن تستمر في نقل خطوطها الحمراء دون انهيار مصداقية قدرتها على الردع ؟


كيف تلاعبت موسكو بالعتبة النووية ؟

منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا لم يكن التهديد النووي عنصرا عرضيا في خطاب الكرملين، بل كان أداة رئيسية لإدارة التصعيد والردع، ففي 24 فبراير/شباط 2022 افتتح فلاديمير بوتين تدشين الحرب بخطاب تلفزيوني وجّه فيه تهديدا غير مسبوق إلى خصومه الغربيين، قائلا "من يحاول عرقلتنا سيواجه ردا فوريا، وستكون عواقبه غير مسبوقة في التاريخ"، واعتُبر ذلك تلميحا رسميا إلى استعداد روسيا لاستخدام السلاح النووي إن تعرضت مصالحها الإستراتيجية للضغط . وبعد أيام قليلة -وتحديدا في 27 فبراير/شباط الماضي- أمر بوتين بوضع قوات الردع النووي في "وضع القتال الخاص"، وهي خطوة تعني تقنيا تفعيل قنوات القيادة والسيطرة التي تسمح بإيصال أوامر إطلاق الصواريخ النووية فعليا إلى وحدات التشغيل، ووفق تحليل "تشاتام هاوس"، فإن هذا الإجراء لا يشير فقط إلى تهديد، بل إلى وضعية استعداد حقيقي. ولاحقا، مع اتساع نطاق الخسائر الميدانية الروسية -خاصة بعد الانسحابات القسرية من خاركيف وخيرسون- تطور الخطاب النووي الروسي في سبتمبر/أيلول 2022 ليشمل تهديدا بالرد النووي على أي مساس بـ"وحدة الأراضي الروسية" بدلا من "تعريض روسيا لخطر وجودي "، مما يفتح الباب لاعتبار تهديد الأراضي التي ضمتها حديثا مثل خيرسون أو زاباروجيا إلى عتبة التهديد النووي، هذه الصيغة الفضفاضة مكنت موسكو من التلويح بالسلاح النووي تحت غطاء قانوني وعقائدي أوسع.

تعليقات

أحدث أقدم