دروس من الحرب الاسرائيلية - الإيرانية

مشاهدات


الفريق الركن صباح نوري العجيلي


المدخل : في اول حرب مباشرة بين ايران و(اسرائيل) وتحت تسمية ( الأسد الصاعد ) بالساعة 03:00 فجر يوم الجمعة 13 حزيران الجاري شنت القوة الجوية الاسرائيلية ضربة جوية استباقية ومباغتة في العمق الايراني أستهدفت اهداف نووية وعسكرية في العاصمة طهران ومدن اخرى ، مما ادى الى مقتل مالايقل عن 20 من كبار القادة الاساسيين مثل قائد الحرس الثوري ورئيس هيئة الاركان العامة وقائد قوات الجيوفضائية للحرس الايراني ، والحاق الأضرار بمواقع نووية اهمها منشئات نطنز وفوردو وأغتيال تسعة علماء نوويين وتدمير وشل رادارات ومنظومات الدفاع الجوي . حققت العملية الاسرائيلية المباغتة الاستراتيجية وكانت بمثابة اعلان حرب بين الطرفين يقابلها فشل أمني وعجز استخباري بالجانب الايراني عن كشف نوايا اسرائيل بالهجوم الجوي بمايقارب 200 طائرة مقاتلة في الضربة الاولى عبر المجال الجوي العراقي المجاور . تسببت  العملية في أرباك منظومة القيادة والسيطرة  الايرانية وفقدانها للتوازن بعد خسارتها أبرز القيادات الرئيسية والمؤثرة في اليوم الاول للضربة. جاء الرد الصاروخي الاستراتيجي الايراني بعد 18 ساعة من الضربة الجوية وشملت على عملية اطلاق دفعات من الصواريخ الباليستية والطائرات المسّيرة سقطت على  تل ابيب وحيفا ووسط الكيان وتسببت بأضرارمادية وخسائربشرية . تستمر الحرب بين الطرفين وتطلق طهران الصواريخ الباليستية والمسّيرات على المدن الاسرائيلية فيما ينفذ الطيران الاسرائيلي غارات جوية وبالمسّيرات على اهداف مختلفة (قواعد جوية ، مواقع نووية، منصات اطلاق الصواريخ، منشئات تصنيع عسكري ، منشئات نفطية ، معسكرات للحرس الايراني وفيلق القدس ) . إيقاف الحرب واطلاق النار مرهون بالموقف الامريكي وقبول طهران بالجلوس على مائدة المفاوضات النووية وموافقتها على الشروط الامريكية بوقف تخصيب اليورانيوم وتفكيك البرنامج النووي الايراني فضلا عن أحتمالية دخول وساطات دولية مثل روسيا والاتحاد الاوربي لوضع نهاية للحرب . الحرب الاسرائيلية - الايرانية الدائرة في المنطقة كباقي الحروب لها دروسها ينبغي تحليلها للأستفادة منها من الناحية السياسية والعسكرية والأمنية،


الحرب المباشرة :

تصاعد الصراع العسكري بين (اسرائيل) وايران بعد طوفان الأقصى بالسابع من اكتوبر عام 2023 وتلقت في حينه حكومة (نتنياهو) ضربة قوية في غزة ووجهت اصابع الاتهام للنظام الايراني بدعم حركة حماس . ولأول مرة في تاريخ ايران واسرائيل تقع الحرب المباشرة بينهما لتشمل ساحة الحرب (أجواء وأراض ومياه) كلا الطرفين بعدما كانت تجري بينهما بالنيابة من قبل وكلاء ايران مثل حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن . أهداف الحرب الاسرائيلية : القضاء على البرنامجين النووي والصاروخي الايراني كونهما يهددان الوجود الاسرائيلي حسب رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو .وتستغل الحكومة الاسرائيلية الموقف في المنطقة وتداعيات حرب غزة للمطالبة بتفكيك البرنامج النووي الايراني وايقاف تخصيب اليورانيوم لتهديدها الامن القومي الاسرائيلي وذلك بمساعدة الادارة الامريكية بعد عودة الرئيس ترامب للسلطة والذي منح مهلة 60 يوما لطهران لتصفية برنامجها النووي . كما ينبغي عدم أغفال الدور الامريكي بتقديم الدعم العسكري الكبير للجانب الاسرائيلي والضوء الاخضر بتنفيذ الضربة الجوية . 


الاستخبارات السوقية (الاستراتيجية) :

نفذ الهجوم الجوي الاسرائيلي بالساعة 03:00 من فجر يوم الجمعة 13 حزيران محققاُ المباغتة التامة على الرغم من اطلاق المسؤولين الاسرائيليين التهديدات المتكررة وتصريح الرئيس الامريكي ترامب قبل ايام بان هناك ضربة اسرائيلية محتملة وهذه اشارات كافية كان على القيادة الايرانية التحسب لوقوع الحرب في أي وقت . نفذ الهجوم الجوي في اليوم 61 والتالي لانتهاء المهلة التي حددها الرئيس ترامب للنظام الايراني والبالغة شهرين، وهذا يعني هناك تنسيق بين اسرائيل والولايات المتحدة حول تنفيذ الضربة الجوية وتوقيتاتها . والمستغرب ان اجهزة الاستخبارات والمخابرات الايرانية وحتى الاجنبية بخاصة الروسية والصينية لم تتوصل الى موعد الضربة رغم حجم الجهد الجوي الكبيرالمخصص للعملية ،  بسبب السرية في العمل والاستحضارات والمخادعة السوقية التي نفذتها الحكومة والجيش الاسرائيلي لتضليل القيادة الايرانية.


المباغتة السوقية :

حققت الضربة الجوية الاسرائيلية المباغتة السوقية بالزمان الذي حددته القيادة السياسية وتمكنت من فرض السيطرة الجوية وشل رادارات ومنظومات اسلحة الدفاع الجوي وعالجت المنشئات النووية وتصفية قيادات الخط الاول في الجيش والحرس مما ولد ارباكا في منظومة القيادة والسيطرة . في حين كان الجانب الايراني يستبعد توقيت الضربة الاسرائيلية مادامت المفاوضات النووية مع الجانب الامريكي مستمرة وسوف تعقد في الاسبوع القادم .


المخادعة السوقية :

المخادعة جزء اساس من خطة المباغتة ، وشملت على بعض اعمال التظليل والخداع والتمويه التي ولدت أنطباعا لدى القيادة الايرانية بأستبعاد القيام بعمل عسكري قريب وسبباً في تحقيق المباغتة ومضاعفة تأثير نتائج العملية التي نفذت فجر الجمعة  :


-​الاعلان بان الاجتماع الوزاري الخميس 12 حزيران كان يهدف مناقشة ملف الرهائن لدى حماس في غزة ، ولكن أتخذ في هذا الاجتماع قرار بتوجيه الضربة الجوية في فجر يوم الجمعة .    


-​مشاركة نتنياهو بخطة المخادعة واعلانه عن قضائه عطلة نهاية الاسبوع برفقة عائلته في منطقة الجليل استعداداً لزفاف نجله يوم الثلاثاء 17 حزيران.


-​اعلان مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي عن زيارة سيقوم بها مدير الموساد ووزير الشؤون الاستراتيجية يوم الجمعة (موعد الضربة ) للولايات المتحدة لغرض لقاء المبعوث الامريكي ستيف ويتكوف حول جولة الحادثات السادسة بين الولايات المتحدة وايران التي كانت مقررة يوم الاحد 15 حزيران في مسقط عمان.


-​الايحاء بوجود خلافات بين اعضاء الائتلاف الحاكم في اسرائيل يهدد بقاءه.


-​الترويج بوجود خلافات بين نتنياهو وترامب وهذا غير صحيح بل مناورة من اجل تظليل وخداع الايرانيون.


السيطرة الجوية :

فرضت القوة الجوية الاسرائيلية سيطرتها باستخدام مئات الطائرات من طراز الشبح اف -35 وطائرات اف 15 و16 التي شلت وعطلت رادارات و منظومات الدفاع الجوي الايرانية ونفذت طلعات لتدمير واعطاب القواعد الجوية ومهاجمة اهداف حيوية على الساحة الايرانية . ولم تستطيع القوة الجوية الايرانية  من تحليق طائرة مقاتلة واحدة. مسار الطيران الاسرائيلي يمر عبر الاجواء العراقية ومن ثم يدخل الاجواء الايرانية غربا حتى العاصمة طهران . واعلن نتنياهو ان سلاج الجو الاسرائيلي يسيطر على اجواء العاصمة الايرانية طهران،  لقد أمن هذا الموقف حرية العمل للطائرات الاسرائيلية التي تنفذ طلعاتها ومشاغلة الاهداف بحرية والعودة الى قواعدها بدون حادث .


القيادة والسيطرة :

نتائج الضربة الجوية الاولى تصفية ما لايقل عن 20 من كبار القادة  ابرزهم رئيس هيئة اركان الجيش الايراني وقائد الحرس الثوري وقائد القوة الجيوفضائية للحرس مما تسبب في فقدان القيادة والسيطرة وأحداث صدمة للمقرات والقوات وتسببت بخلل بالتوازن وبالتالي تأخر الرد الى الساعة  21:00 (التاسعة ليلا ) أي بعد18 ساعة من موعد بداية الضربة فجراً. يتبع الجيش الاسرائيلي استراتيحية قتل وتصفية القيادات بعدما نجح في استهداف حسن نصر الله زعيم حزب الله واسماعيل هنية زعيم حركة حماس في طهران وصلاح العاروري في ضاحية بيروت ويحي السنوار في غزة . ويدرك الجيش الاسرائيلي أهمية تلك القيادات المؤثرة من أصحاب الخبرة والتجارب في ادارة الصراع وان فقدانهم المفاجئ سوف يسبب الصدمة ومن الصعوبة تعويضهم في مثل هذه الظروف الحرجة لذلك ينبغي الحفاظ على أمن القادة وسرية تحركاتهم ومواقع وتامين الحمايات اللازمة للمقرات والاشخاص لسد الطريق على العدو ومنع استهدافهم وانتخاب المواقع البديلة السرية التي تنتقل القيادات لها عند الطوارئ.


الرد الايراني المقابل ؛

سلاح الردع الاستراتيجي الايراني الأساس هي الصواريخ الباليستية متوسطة وبعيدة المدى ، وتصنع ايران عدة انواع منها وبمختلف المديات واهمها الصواريخ الفرط صوتية التي يصعب على العدو كشفها وأعتراضها بمنظومات الدفاع الجوي لسرعتها الفائقة ،في حين تعاني القوة الجوية الايرانية من قدم طائراتها وعدم قدرتها على مواكبة الطائرات الاسرائيلية أمريكية الصنع من طراز F15 F 16, F35 وردا على الهجوم اللجوي الاسرائيلي وبعد 18 ساعة نفذت القوة الجيوفضائية الايرانية التابعة للحرس ضربات بالصواريخ الباليستية استهدفت تل ابيب وحيفا ووسط الكيان وعلى دفعات مستمرة وتسببت في وقوع خسائر بشرية ومادية . تبعث طهران من خلال الرد بالصواريخ والمسيرات رسالتين ، الاولى،  الى دول العالم بانها قوية وقادرة للرد على اسرائيل وبشكل متكافئ والرسالة الثانية الى الشعب الايراني وحلفائهم أن النظام مازال قوياً ومتماسكاً وأنه يمتلك القدرات في ضرب الاعداء .


الموساد يخرق الساحة الايرانية :

تم رصد عشرات الجواسيس والمتعاونين تعمل بالداخل الايراني تابعة لجهاز الموساد الاسرائيلي ، تفوم بتحديد المواقع الحيوية ومناطق سكن وتواجد القادة والعلماء وتاسيس قاعدة للمسّيرات واحداث التخريبات في منظومات الدفاع الجوي والاهداف الحيوية الاخرى ، عملت هذه الخلايا قبل وخلال تنفيذ العملية وبالتنسيق مع توقيتات الضربة الجوية، كل هذه التهديدات الداخلية والنظام في طهران واجهزته الامنية غافلة عما يحث مما يدل على خرق أمني واستخباري ايراني واضح على الرغم من تعدد الأجهزة الأمنية والاستخبارية والمخابراتية ووجود الحرس الثوري وعناصر ووحدات البسيج (التعبئة الشعبية). أعلن الاعلام الايراني وخلال الحرب وفي خطوة متأخرة عن توقيف عشرات الجواسيس تعمل لصالح الموساد بالداخل الايراني .


الخاتمة :

العمليات الجوية والصاروخية الدائرة بين الطرفين بالوقت الراهن، هي في الحقيقة حرب معلنة ومباشرة بين اسرائيل وايران ، ويحاول رئيس حكومة اسرائيل دفع الولايات المتحدة للاشتراك بالحرب الدائرة لضمان تدمير البرنامج النووي والبنية التحتية الايرانية كما ان تغيير النظام الايراني بات من المواضيع المطروحة . يشترك العراق في علاقات سياسية وأمنية واقتصادية مع ايران المجاورة وبحدود مشتركة تبلغ 1300 كم ، لذلك نعتقد ان الحرب الدائرة بالوقت الراهن سوف تنعكس تداعياتها على الشان العراقي والاقليمي . لا توجد دلائل لوضع نهاية قريبة للحرب وتضغط الولايات المتحدة على الجانب الايراني للجلوس على مائدة التفاوض والقبول بالشروط الامريكية الجديدة لإنهاء وتفكيك البرنامج النووي ووقف التخصيب ومنع ايران من امتلاك السلاح النووي .


تعليقات

أحدث أقدم