د. مثنى عبدالله
استمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تغيير مواقفه من الحرب الدائرة بين طهران وتل أبيب، الى الحد الذي بات من الصعوبة بمكان تحديد أين يقف الرجل من هذا الصراع . فعند اندلاع الحرب في يومها الأول عندما هاجمت إسرائيل إيران، احتفى دونالد ترامب بالغارات الإسرائيلية، واعتبر أن تلك الضربة الخاطفة قد أدت وظيفتها المطلوبة، وهي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أضعف الموقف الإيراني. وعليه فأن الوفد المفاوض الإيراني سيأتي بلا شروط الى الجولة السادسة، التي كان مقررا لها أن تُعقد في عُمان، ويقبل بكل الشروط الأمريكية وتنتهي المسألة . لكن عندما جاءت ردة الفعل الإيرانية في اليوم التالي، وأصيبت تل - أبيب وحيفا بالعمق، وبات الهاجس الأمني يرسم ملامحه على أرض الواقع، تغير موقف ترامب وبات غير قادر على التعويل على التفوق الإسرائيلي، وأصبح ينظر بإمعان الى ما كشفه الإيرانيون عما في جعبتهم.
بعد هذا التغيير بدأ الرئيس الأمريكي يتحدث عن قدرته في أن يكون وسيطا بين الطرفين، ثم اتصل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين بهدف توسيع خطاب الوساطة، سواء تأتي الوساطة من جانب الولايات المتحدة أو من الجانب الروسي، بل أنه ذهب بعيدا في هذا الطرح، عندما حدث تواصل بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث تحدث الطرفان عن جاهزية الوساطة لإيقاف الحرب . لكن فجأة ودون مقدمات في اليوم الرابع من الحرب، عندما سأُل في إحدى المقابلات الصحافية عن مستقبلية الموقف الأمريكي، سواء أكان تدخلا من عدمه، أعلن ترامب بأنه من المُحتمل يحدث تدخل أمريكي الى جانب إسرائيل في هذا الصراع، وهذا الذي حدث مؤخرا. هذه المواقف المتناقضة والمتغيرة بسرعة كبيرة من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تشير وبوضوح كاف إلى أن الرجل كان في حالة أرتباك كبير، ولم تكن لديه فكرة واضحة في كيفية إدارة هذا الصراع . وهذه مُخاطرة كبيرة لأن رئيس أكبر دولة في العالم ليس لديه مقاربة أو أفق سياسي في هذه المسألة، أو ما هي الخطة الأمريكية للخروج من هذا المأزق، وحتى الى عشية تدخله في الحرب كان بالنسبة للكثيرين، ليس من الواضح إن كان يسعى في اتجاه تفعيل القوة ودعم إسرائيل عسكريا، لغرض إيقاف الغارات الصاروخية الإيرانية، أم أنه فعلا يريد أن يكون صانع سلام ويُقدم حلا على الطاولة يقتنع به الإسرائيليون والإيرانيون، سواء أكان ذلك من خلال استثمار ثقله السياسي ورمزيته كزعيم أقوى دولة في العالم ، أو أن يسند ظهر أردوغان أو بوتين أو أي فاعل دولي آخر، مثل دول الخليج العربي، لصنع مبادرة سلام يقبل بها الطرفين فتُساعد في رأب الصدع القائم . خاصة وهو المتبجح الدائم بأنه رجل المُعجزات القادر على حل كل الحروب والصراعات في بضعة أيام، كما وعد المجتمع الدولي قبل انتخابه في وقف الحرب الروسية - الأوكرانية بمجرد وصوله الى البيت الأبيض . إذن يمكن القول إن الرجل كان في حيرة من أمره، ويبدو أنه لم يكن لديه موقف يمكن المُراهنة عليه، لا بإنزال قوات ولا بدعم إسرائيل ولا حتى بالبحث عن إطار دبلوماسي لاحتواء الموقف. لكن وعلى الرغم من هذه الضبابية في موقف ترامب، فإن المؤشرات كانت تفيد بأنه سيدخل على خط الحرب. من هذه المؤشرات إعلان الجيش الأمريكي نقل طائرات التزود بالوقود الى أوروبا أولا.
ثانيا رفض ترامب التوقيع على البيان الختامي لقمة مجموعة السبع الذي عُقد في كندا مؤخرا.
ثالثا تحريك حاملة الطائرات الأمريكية من جنوب شرق آسيا الى الشرق الأوسط .
لكن الجزم بذلك كان صعبا للغاية، على اعتبار أن تحريك الأصول المادية العسكرية الأمريكية كحاملات الطائرات والغواصات نحو منطقة الصراع القائم، وإبداء البنتاغون الاستعداد للوقوف بالقرب من ساحة الحدث، لا يعني بالمؤكد أن الدور الأمريكي سيتحول الى مساهمة فعلية في توجيه الصواريخ الإستراتيجية ضد إيران . يضاف الى ذلك عامل آخر وهو أن كلا الحزبين الأمريكيين، الديمقراطي والجمهوري، قد اتفقا على أن حرب العراق في العام 2003 هي آخر الحروب في الأجندة الأمريكية، ولن تكون هنالك مغامرة أخرى في منطقة الشرق الأوسط . كما أن ترامب قال عنه الكثير من المراقبين إنه تاجر يبحث عن الصفقات المربحة دون خسائر مهما كانت صغيرة . واليوم وبعد دخول ترامب الحرب الى جانب تل أبيب، إنما هو يسعى الى إيقاف الهجمات الإيرانية على إسرائيل، لأنها غيرت الوضع عما كان عليه في اليوم الأول . آنذاك كانت إسرائيل هي الرابح وإيران خاسرة ، بينما اليوم كلاهما خاسر. كما أنه يريد ألا تطور إيران برنامجها النووي، بما يجعلها قادرة على أنتاح السلاح النووي . يضاف الى كل ذلك تقديم الدعم الكامل لإسرائيل، لأنها لحد الآن فشلت في تحقيق هدفها بتدمير المفاعلات النووية الإيرانية . فكان لزاما عليه أن يتولى هو هذا الموضوع بواسطة التكنولوجيا الأمريكية اللازمة في هذا المجال . لكن وعلى الرغم من أن هذا السيناريو قد حدث، لكنه لم يحظي لحد الآن بتأييد الغالبية العظمى من الأمريكيين، ولا من الحاضنة الشعبية التي أوصلته الى البيت الأبيض . بل أنه لا يحظى بتأييد من قبل أقرب حلفائه الأوروبيين ولا حتى العرب في الخليج ، الذين باتوا قلقين أكثر مما مضى من الأثار البيئية والصحية، التي يمكن أن تنتج عن ضرب المنشآت النووية الإيرانية . لكن خيار تقديم الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل هو الذي تقدم على كل الخيارات الأخرى، وحتى على مصالح حلفاء الولايات المتحدة الأخرين . إن الصراع القائم الآن بين إيران وإسرائيل سيظل في إطار الحرب المفتوحة. وفي هذه الحرب كلا طرفي النزاع يبحثان عن المعادلة الصفرية، بمعنى أن يكون هو الرابح والآخر خاسر، في حين أن الحرب قد شطبت نظرية الأمن القومي لسكان إيران وإسرائيل معا، فلا أحد منهما يستطيع التبجح بأنه آمن. فكل تصعيد يُجابه بتصعيد مقابل. ويبدو أنه كلما يبقى ميزان القوة غير مستقر بين طهران وتل أبيب، فإن ذلك يساعد في تعزيز قناعة أمريكية بأنه لا حل سوى بتغيير النظام القائم في طهران، أو الوصول الى تسوية تكون فيها طهران مُجبرة على تقديم تنازلات كبيرة، تعني في النهاية نهاية النظام بشكله الحالي والتحول الى شكل آخر. كما أن الإستنزاف الداخلي لطرفي الصراع هم من سيقرر مصير الحرب أيضا.
إرسال تعليق