من يصنع الحقيقة اليوم 2-2

مشاهدات


عائشة سلطان


ما الذي يجعلنا نمنح كل هذا النفوذ لشخص لم نقرأ له كتاباً، ولم نختبر عمق تجربته؟ من أين تنبع هذه الثقة التي نمنحها لكل هذه الأعداد المهولة من المؤثرين الذين تطلق عليهم منصات «السوشيال ميديا» نفسها اسم (صناع المحتوى)، قبل أن نطلق نحن عليهم هذه التسمية ؟ هل نحن بالفعل معجبون بهذا المحتوى المصنوع ؟ هل نحن راضون عنه؟ أو بمعنى أدق، هل يعبر هذا التهافت على المؤثرين عن حاجة حقيقية؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فما الذي نحتاجه منهم على وجه الدقة؟ ما الذي نحتاجه ولا نجده في الصحف التقليدية، والسينما التقليدية، والكتاب الذي غدا أداة تقليدية؟ ماذا تلبي لنا «السوشيال ميديا»؟


الحقيقة أن الزمن وعلاقتنا به، وأثره علينا، ونظرتنا له، وتفاعلنا معه، وحالتنا النفسية التي نستقبل بها المحتوى، هي الأمور التي تلعب عليها «السوشيال ميديا» وتوظفها بطرق مختلفة، وهذه كلها تخضع لدراسات وملاحظات علمية دقيقة، توضح تأثير المحتوى علينا من حيث نوعيته ومضامينه وأفكاره، وما يتركه من أثر علينا، والأهم الزمن المستغرق الذي نقضيه معه! كم يحتاج صناع المحتوى ليقدموا لنا محتواهم؟ ليس أكثر من دقيقة أو أكثر من ذلك بنصف دقيقة! وكم نحتاج لقراءة مقال من ألف وخمسمائة كلمة أو 500 كلمة؟ نحن اليوم في زمن السرعة، والسرعة القصوى وليس زمن البطء، حتى وإن كان كثيرون يتحدثون عن حياة القرية أو الحي القديم، ويمتدحون البطء بأكثر العبارات شاعرية ورومانسية!  الفكرة وليس طول المقال وكثرة الكلمات هي ما ينظر له القارئ ويفكر فيه، الخفة وليس الرصانة، الجديد والمختلف وليس المكرر والعادي في زمن صار الجديد فيه يهطل علينا كل ثانية، ثم إن القوالب القديمة كسرتها التقنية، ولم يعد الناس يقدسون شيئاً، نحن في زمن تفكك فيه كل شيء، زمن السيولة كما قال زيجمونت باومان، لذلك وحدهم الذين يستطيعون مسايرة شروط «السوشيال ميديا» يستطيعون البقاء في وضعية البث المباشر لأطول مدة ممكنة!

تعليقات

أحدث أقدم