تعظيم المشاهير.. لماذا؟ 2-2

مشاهدات



عائشة سلطان


أحد أهم أسباب النظرة المبالغة، أو تعظيم الأشخاص، هو أن الناس بطبيعتهم يحبون أن يخلقوا رموزاً يحتذون بها، فعبر التاريخ كانت المجتمعات ترفع أشخاصاً معيّنين لمكانة أسطورية : أبطال، قديسين ، حكماء، أما اليوم فقد أعطي هذا الدور للمشاهير، فبمجرد أن يظهر شخص ناجح، محبوب، غني، وجذّاب، ينجذب إليه الناس، ويشعرون بأن لديه كل ما ينقصهم، فيضعونه على عرش صغير في عقولهم يكبر مع الأيام! 


أيضاً فإن الوهج المصطنع الذي يخلقه تسويق الصورة المصطنعة للمشاهير الذين يظهرون بأبهى صورة : بشرتهم مثالية، كلامهم محسوب، صورهم مصفّاة، وبالرغم من أن هذه الصورة ليست حقيقية، بل هي ناتجة عن فريق تصوير، وإدارة محتوى، وتعديلات، إلا أن الناس ترى هذه الصورة وتعبد هذا البريق . عقلنا الباطن كذلك يلعب دوراً في هذه الحالة، فمنذ القدم والناس عبارة عن مجموع بحاجة دائمة لقائد أو مثال، وعندما يعثرون عليه تبدأ طقوس وكلمات ومشاعر الإعجاب والانبهار والتبعية لكل تصرفاته، (ولذلك ليس غريباً أن يطلق عليهم التابعون اليوم)، ثم يبدأ الآخرون بالتقليد، فيحبون هذا المشهور ويتابعونه وفق منطق القطيع، ودون وجود سبب منطقي أو عقلاني.


وفي مجتمعات كالتي نعيش فيها اليوم، أصبحت تفقد ثقتها بالمؤسسات التقليدية التي كانت تعقلن تصرفات الناس (كالدين، والعائلة، والتعليم)، حل الفراغ الروحي أو الفكري مكان المنطق والعقل. وأصبح نجوم الفن ومشاهير السوشيال ميديا بطريقة ما، يملؤون هذا الفراغ عند البعض، فيتحولون لأصنام رمزية - أو هم يحولونهم كذلك - حتى لو كانوا أشخاصاً عاديين، أو حتى بلا قيمة فعلية، ومحتواهم عبارة عن تفاهة لا أكثر! لتأليه المشاهير أسباب كثيرة نحاول أن نفككها لنفهمها لا أكثر، فكثيرون يعيشون فشلهم الشخصي، أو أحلامهم المكسورة التي يسقطونها على المشاهير، بمعنى عندما يرى الشباب ممثلة أجنبية صغيرة لا تتجاوز الـ 25، وأنجزت أفلاماً عالمية، وشاركت في مسلسل يتحدث عنه العالم، وتصل ثروتها لملايين الدولارات، يتحسّس هؤلاء الشباب جيوبهم فيشعرون بالخيبة والإحباط، لكنهم ينظرون لنجمتهم فيرون أنها تعيش الحياة والنجاح الذي يريدونه، وبهذا يحولونها إلى كائن فوق البشر!


خلاصة الأمر أن الناس لا ينظرون للمشاهير كما هم، ولكن كما يحتاجونهم أن يكونوا!

تعليقات

أحدث أقدم